كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

العبادات، ولا سيما العبادات الشاقة كالحج. والإِنسان طويل الأمل، يهرم، ويشب أمله، وتحديد وجوبه بستين سنة تحديد لا دليل عليه.
فهذه جملة أدلة القائلين بأن وجوب الحج على الفور. ومنعوا أدلة المخالفين، قالوا: إن قولكم: إن الحج فرض سنة خمس بدليل قصة ضمام بن ثعلبة المتقدمة، فإن قدومه سنة خمس، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الحج، وأن قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية، نزلت عام ست في عمرة الحديبية، فدلت على أن الحج مفروض عام ست، وأنه - صلى الله عليه وسلم - آخره بعد فرضه إلى عام عشر، كل ذلك مردود، بل الحج إنما فرض عام تسع، قالوا: والصحيح أن قدوم ضمام بن ثعلبة السعدي كان سنة تسع.
وقال ابن حجر في الإِصابة في ترجمة ضمام المذكور ما نصه: وزعم الواقدي أن قدومه كان في سنة خمس، وفيه نظر.
وذكر ابن هشام عن أبي عبيد: أن قدومه كان سنة تسع، وهذا عندي أرجح. اهـ. منه، وانظر ترجيح ابن حجر لكون قدومه عام تسع.
وذكر ابن كثير قدوم ضمام المذكور في حوادث سنة تسع، مع أنه ذكر قول من قال: إن قدومه كان قبل عام خمس. هذا وجه ردهم للاحتجاج بقصة ضمام. وأما وجه ردهم للاحتجاج بآية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فهو أنها لم يذكر فيها إلَّا وجوب الإِتمام بعد الشروع، فلا دليل فيها على ابتداء الوجوب. وقد أجمع أهل العلم على أن من أحرم بحج أو عمرة وجب عليه الإِتمام، ووجوب الإِتمام بعد الشروع لا يستلزم ابتداء الوجوب.

الصفحة 130