كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
قال ابن القيم في زاد المعاد ما نصه: وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية فليس فيها فريضة الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه، وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء.
فإن قيل: فمن أين لكم تأخر نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة.
قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة، ويدل عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فأعاضهم الله تعالى من ذلك الجزية، ونزول هذه الآيات، والمناداة بها إنما كان عام تسع، وبعث الصديق - رضي الله عنه - بذلك في مكة في موسم الحج، وأردفه بعلي - رضي الله عنه - ، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف، والله أعلم. انتهى من زاد المعاد.
فتحصل: أن آية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} لم تدل على وجوب الحج ابتداءً، وإنما دلت على وجوب إتمامه بعد الشروع فيه كما هو ظاهر اللفظ، ولو كان يتعين كونه يدل على ابتداء الوجوب لما حصل خلاف بين أهل العلم في وجوب العمرة، والخلاف في وجوبها معروف، وسيأتي إن شاء الله إيضاحه.