كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

بل الذي أجمعوا عليه: هو وجوب إتمامها بعد الشروع فيها، كما هو ظاهر الآية، وأن قصة ضمام بن ثعلبة كانت عام تسع كما رجحه ابن حجر وغيره، فظهر سقوط الاستدلال بها وبالآية الكريمة، وأن الحج إنما فرض عام تسع كما أوضحه ابن القيم في كلامه المذكور آنفًا، لأن آية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا} هي الآية التي فرض بها الحج، وهي من صدر سورة آل عمران، وقد نزل عام الوفود، وفيه قدم وقد نجران، وصالحهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع كما تقدَّم قريبًا، وعلى كون الحج إنما فرض عام تسع غير واحد من العلماء، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
وبه تعلم أنه لا حجة في تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج عام فتح مكة؛ لأنه انصرف من مكة والحج قريب، ولم يحج؛ لأنه لم يفرض.
فإن قيل: سلمنا تسليمًا جدليًّا أن سبب تأخيره الحج عام فتح مكة، مع تمكنه منه، وقدرته عليه أن الحج لم يكن مفروضًا في ذلك الوقت، وقد اعترفتم بأن الحج فرض عام تسع، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يحج عام تسع، بل أخَّر حَجَّه إلى عام عشر، وهذا يكفينا في الدلالة على أن وجوبه على التراخي، إذ لو كان على الفور لما آخره بعد فرضه إلى عام عشر.
فالجواب - والله تعالى أعلم - : أن عام تسع لم يتمكن فيه النبي، وأصحابه من منع المشركين من الطواف بالبيت وهم عراة، وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أن منعهم من قربان المسجد الحرام، إنما هو بعد ذلك العام الذي هو عام تسع، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ

الصفحة 132