كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

فعله لا ترد شهادته فيما بين فعله وتأخيره، ولو كان التأخير حرامًا لردت شهادته؛ لارتكابه ما لا يجوز بأنه ما كل من ارتكب ما لا يجوز ترد شهادته، بل لا ترد إلَّا بما يؤدي إلى الفسق، وهنا قد يمنع من الحكم بتفسيقه مراعاة الخلاف، وقول من قال: إنه لم يرتكب حرامًا، وشبهة الأدلة التي أقاموها على ذلك. هذا هو حاصل أدلة الفريقين.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض هو: أن وجوب أوامره جل وعلا كالحج على الفور، لا على التراخي، لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت، كقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، وما قدمنا معها من الآيات، وكقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} ولما قدمنا من أن الشرع واللغة والعقل كلها يدل على أن أوامر الله تجب على الفور، وقد بينا أوجه الجواب عن كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يحج حجة الإِسلام إلَّا سنة عشر. والعلم عند الله تعالى الآية. وأشار في مراقي السعود إلى أن مذهب مالك أن وجوب الأمر على الفور بقوله:
وكونه للفور أصلُ المذْهب ... وهو لَدى القيد بتأخير أبي
المسألة الثانية
اعلم: أن من أراد الحج له أن يحرم مفردًا الحج، وله أن يحرم متمتعًا بالعمرة إلى الحج، وله أن يحرم قارنًا بين الحج والعمرة، وإنما الخلاف بين العلماء، فيما هو الأفضل من الثلاثة المذكورة.

الصفحة 134