كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
قالوا: لو كان جبرًا لما جاز الأكل منه كالكفارات، وبأن الجبر في فعل ما لا يجوز والتمتع والقران جائزان، فلا جبر في مباح.
ورد هذا من يخالف في ذلك قائلًا: إنه دم جبر لا دم نسك، بدليل أن الصوم يقوم مقامه عند العجز عنه. قالوا: والنسك المحض كالأضاحي والهدايا لا يكون الصوم بدلًا عنه عند العجز عنه، فلا يكون الصوم بدلًا من دم، إلَّا إذا كان دم جبر. قالوا: ولا مانع من الأمر بعبادة مع ما يجبرها ويكملها، ولا مانع من أن يرد دليل خاص على جواز الأكل من بعض دماء الجبر.
قالوا: والدليل على وقوع الجبر في المباح: لزوم فدية الأذى المنصوص في آية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} الآية. ولا شك أنه جبر في فعل مباح، وكذلك من لبس لمرض أو حر، أو برد شديدين، أو أكل صيدًا للضرورة المبيحة للميتة، أو احتاج للتداوي بطيب.
قالوا: ومن الأدلة على أنه دم جبر لا نسك سقوطه عن أهل مكة المنصوص عليه في قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فلو كان دم نسك محض لكان على الجميع من حاضري المسجد الحرام، وغيرهم لاستوائهم جميعًا في حكم النسك المحض. وهذا على قول الجمهور إن الإِشارة في قوله: ذلك راجعة إلى لزوم دم التمتع، أي: وأما من كان أهله حاضري المسجد الحرام، فلا دم عليه إن تمتع بالعمرة إلى الحج خلافًا لابن عباس، ومن وافقه من الحنفية وغيرهم في قولهم: إن الإِشارة في قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} راجعة إلى التمتع بالعمرة إلى الحج، وأن أهل مكة لا تمتع لهم؛ لأنه على قول الجمهور