كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

حدثنا موسى أبو سلمة، ثنا حماد، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي خيوان بن خلدة ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة: أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كذا وكذا، وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم، قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا، فقال: أما إنها معهن، ولكنكم نسيتم. انتهى منه.
الأمر الرابع: من الأمور التي استدل بها القائلون بأفضلية الإِفراد على غيره، أنه هو الذي كان الخلفاء الراشدون يفعلونه بعده - صلى الله عليه وسلم - ، وهم أفضل الناس وأتقاهم، وأشدهم اتباعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد حج أبو بكر - رضي الله عنه - بالناس مفردًا، وحج عمر بن الخطاب عشر سنين بالناس مفردًا، وحج عثمان - رضي الله عنه - بهم مدة خلافته مفردًا قالوا: فمدة هؤلاء الخلفاء الراشدين الثلاثة حول أربع وعشرين سنة، وهم يحجون بالناس مفردين، ولو لم يكن الإِفراد أفضل من غيره لما واظبوا عليه هذه المدة الطويلة.
قال النووي في شرح المهذب، وشرح مسلم في أدلة من فضل الإِفراد: ومنها: أن الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفردوا الحج، وواظبوا عليه، كذلك فعل أبو بكر، وعمر، وعثمان؛ واختلف فعل علي - رضي الله عنهم - أجمعين؛ وقد حج عمر بالناس عشر حجج مدة خلافته كلها مفردًا، ولو لم يكن هذا هو الأفضل عندهم، وعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج مفردًا لم يواظبوا على الإِفراد مع أنهم الأئمة الأعلام، وقادة الإِسلام، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، وكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ،

الصفحة 144