كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

فالجواب: أن المالكية والشافعية يقولون: إن التمتع الذي أمر به - صلى الله عليه وسلم - من كان مفردًا، وذلك بفسخ الحج في العمرة لا شك أنه في ذلك الوقت، وفي تلك السنة أفضل من غيره، ولكن لا يلزم من أفضليته في ذلك الوقت أن يكون أفضل فيما سواه.
وإيضاح ذلك: أنه دلت أدلة سيأتي قريبًا تفصيلها إن شاء الله على أن تحتم فسخ الحج المذكور في العمرة، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه به خاص بذلك الركب وبتلك السنة، وأنه ما أمر بذلك لأفضلية ذلك في حد ذاته، ولكن لحكمة أخرى خارجة عن ذاته، وهي أن يبين للناس أن العمرة في أشهر الحج جائزة، وما فعله - صلى الله عليه وسلم - ، أو أمر به للبيان والتشريع، فهو قربة في حقه، وإن كان مكروهًا، أو مفضولًا، فقد يكون الفعل بالنظر إلى ذاته مفضولًا أو مكروهًا، ويفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو يأمر به لبيان الجواز فيصير قربة في حقه، وأفضل مما هو دونه بالنظر إلى ذاته كما هو مقرر في الأصول، وإليه أشار صاحب مراقي السعود بقوله:
وربما يفعل للمكروه ... مبينًا أنه للتنزيه
فصار في جانبه من القرب ... كالنهي أن يشرب من فم القرب
وقال في نشر البنود في شرحه للبيتين المذكورين: يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل المكروه المنهي عنه، مبينًا بذلك الفعل أن النهي للتنزيه، لا للتحريم، فصار ذلك الفعل في حقه قربة يثاب عليها؛ لما فيه من البيان، كنهيه عن الشرب من أفواه القرب، وقد شرب منها. انتهى منه.
وليس قصدنا أن التمتع والقران مكروهان، بل لا كراهة في

الصفحة 155