كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
واحد منهما يقينًا، ولكن المقصود بيان أن الفعل الذي فعله - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز يكون بهذا الاعتبار أفضل من غيره، وإن كان غيره أفضل منه بالنظر إلى ذاته. وهذه هي الأدلة الدالة على أنه فعل ذلك لبيان الجواز، ولذلك يختص بذلك الركب، وتلك السنة.
الأول: منها حديث ابن عباس المتفق عليه الذي قدمناه قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أيّ الحل؟ قال: "الحل كله" قالوا: فقوله في هذا الحديث المتفق عليه: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض"، وترتيبه بالفاء على ذلك قوله: "فأمرهم أن يجعلوها عمرة" ظاهر كل الظهور في أن السبب الحامل له - صلى الله عليه وسلم - على أمرهم أن يجعلوا حجهم عمرة، هو أن يزيل من نفوسهم بذلك اعتقادهم أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، فالفسخ لبيان الجواز كما دل عليه هذا الحديث المتفق عليه، لا لأن الفسخ في حدّ ذاته أفضل. وقد تقرر في مسلك النص، ومسلك الإِيماء والتنبيه أن الفاء من حروف التعليل، كما قدمناه مرارًا قالوا: فقول: من زعم أن قوله في الحديث المذكور: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور" لا ارتباط بينه، وبين قوله: "فأمرهم أن يجعلوها عمرة" ظاهر السقوط كما ترى؛ لأنه لولم يقصد به ذلك، لكان ذكره قليل الفائدة.
ومما يدل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا هناد بن