كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

قلنا إن الخصوصية التي ذكرها أبو ذر بذلك الركب مما لا مجال للرأي فيه، فهو حديث صحيح له حكم الرفع، وقائله اطلع على زيادة علم خفيت على غيره، وإن قلنا: إنه مما للرأي فيه مجال، كما يدل عليه كلام عمران بن حصين الآتي؛ وحكمنا بأنه موقوف على أبي ذر فصدق لهجة أبي ذر المعروف وتقاه، وبعده من الكذب يدلنا على أنه ما جزم بالخصوصية المذكورة إلا وهو عارف صحة ذلك، وقد تابعه في ذلك عثمان رضي الله عنه قالوا: ويعتضد حديث الحارث بن بلال المذكور أيضًا بمواظبة الخلفاء الراشدين في زمن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، الإِفراد، ولولم يعلموا أن فسخ الحج في العمرة خاص بذلك الركب لما عدلوا عنه إلى غيره، لما هو معلوم من تقاهم، وورعهم، وحرصهم على اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فمواظبتهم على إفراد الحج نحو أربع وعشرين سنة يقوي حديث الحارث بن بلال المذكور. وقد رأيت الرواية عنهم بذلك في صحيح البخاري ومسلم، وكذلك غيرهم من المهاجرين والأنصار، كما أوضحه عروة بن الزبير رضي الله عنهما في حديثه المتقدم عند مسلم. قالوا: ورد حديث الحارث بن بلال بأنه مخالف لحديث جابر المتفق عليه في سؤال سراقة بن مالك ابن جعشم المدلجي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإجابته له بقوله: بل للأبد لا يستقيم؛ لأنه لا معارضة بين الحديثين لإِمكان الجمع بينهما، والمقرر في علم الأصول، وعلم الحديث أنه إذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب الجمع بينهما إجماعًا، ولا يرد غير الأقوى منهما بالأقوى؛ لأنهما صادقان، وليس بمتعارضين، وإنما أجمع أهل العلم على وجوب الجمع بين الدليلين إن أمكن؛ لأن إعمال الدليلين معًا أولى من إلغاء أحدهما، كما لا يخفى. ووجه

الصفحة 161