كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ما لفظه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل، وليجعلها عمرة. فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل لأبد أبد". انتهى المراد منه. وهو صريح في أن سؤال سراقة عن الفسخ المذكور، وجواب النبي له يدل على تأبيد مشروعيته كما ترى؛ لأن الجواب مطابق للسؤال، فقول المالكية، والشافعية، ومن وافقهم: بأن الفسخ ممنوع لغير أهل حجة الوداع، لا يستقيم مع هذا الحديث الصحيح المصرح، بخلافه كما ترى.
ودعواهم أن المراد بقوله: "بل لأبد أبد" جواز العمرة في أشهر الحج، أو اندراج أعمالها فيه في حالة القرآن بعيد من ظاهر المذكور كما ترى، وأبعد من ذلك دعوى من ادعى أن المعنى: أن العمرة اندرجت في الحج، أي: اندرج وجوبها في وجوبه، فلا تجب العمرة. وإنما تجب على المكلف حجة الإِسلام دون العمرة، وبعد هذا القول وظهور سقوطه كما ترى.
والصواب إن شاء الله: هو ما ذكرنا من الجمع بين الأدلة، ووجهه ظاهر لا إشكال فيه.
وقال النووي في شرح المهذب في الجواب عن قول الإِمام أحمد: أين يقع الحارث بن بلال من أحد عشر صحابيًّا رووا الفسخ عنه - صلى الله عليه وسلم - ما نصه: قلت: لا معارضة بينهم، وبينه، حتى يقدموا عليه، لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة، ولم يذكروا حكم غيرهم، وقد وافقهم