كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

الاحتياج في حجة الوداع، ولشدة الاحتياج إلى ذلك البيان أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بفسخ الحج في العمرة، والدليل على ذلك هو ما ثبت في حديث ابن عباس المتفق عليه - وقد ذكرناه في أول هذا البحث - قال: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ... " الحديث. وفيه: فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال "الحل كله": وفي البخاري قال: "حل كله" فقول ابن عباس في هذا الحديث الصحيح: فتعاظم ذلك عندهم، دليل على أنه في ذلك الوقت لم يزل عظيمًا عندهم. ولو كانت العمر الثلاث المذكورة أزالت من نفوسهم ذلك إزالة كلية، لما تعاظم الأمر عندهم، فتعاظم ذلك الأمر عندهم المصرح به في حديث متفق عليه بعد صبح رابعة من ذي الحجة عام عشر دليل على أن العمرة عام ست، وعام سبع، وعام ثمان ما أزالت ما كان في نفوسهم؛ لشدة استحكامه فيها؛ وكذلك إذنه لمن شاء أن يهل بعمرة السابق في حديث عائشة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع مودع حريص على إتمام البيان، وحجة الوداع اجتمع فيها جمع من المسلمين، لم يجتمع مثله في موطن من المواطن في حياته - صلى الله عليه وسلم - .
وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث المذكور: فتعاظم عندهم، أي: لما كانوا يعتقدونه أولًا، وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: فكبر ذلك عندهم. انتهى منه.
قالوا: ولشدة عظمه عندهم لم يمتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفسخ الحج في العمرة أولًا، حتى غضب عليهم بسبب ذلك. وبذلك كله يتضح لك أنما كان مستحكمًا في نفوسهم، من أن العمرة في أشهر

الصفحة 166