كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

الحج، من أفجر الفجور في الأرض، لم يزل بالكلية إلى صبح رابعة ذي الحجة سنة عشر.
قالوا: وبه تعلم أن بيان جواز ذلك في حجة الوداع بعمل كل الصحابة الذين لم يسوقوا هدايا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واعتماره هو مع حجته، أعني قرانه بينهما أمر محتاج إليه جدًّا للبيان المذكور.
ومما يدل من الأحاديث الصحيحة على أن ما كان في نفوسهم من ذلك لم يزل بالكلية ما ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ "وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا بالبيت ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى مِنَى وذكَرُ أحدنا يقطر؟ فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت" الحديث. هذا لفظ البخاري رحمه الله، فقولهم في هذا الحديث الصحيح بعد أن أمرهم - صلى الله عليه وسلم - أن يحلوا: "ننطلق إلى مِنَى، وذكر أحدنا يقطر" يدل على شدة نفرتهم من الإِحلال بعمرة في زمن الحج كما ترى. وذلك يؤكد الاحتجاج إلى تأكيد بيان الجواز. وهذا الحديث الصحيح يدفع الاحتمال الذي في حديث ابن عباس المتقدم، لأن قوله: "فتعاظم ذلك عندهم" يحتمل أن يكون بموجب التعاظم أنهم كانوا أولًا محرمين بحج. ويدل لهذا الاحتمال حديث جابر الثابت في الصحيح أنه حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ساق البدن معه، وقد أهلوا بالحج مفردًا، فقال لهم: أحلوا من إحرامكم بطواف البيت. الحديث. وفيه فقالوا: كيف نجعلها متعة، وقد سمينا الحج؟ إلى آخر الحديث. فهذا الحديث يدل على أنهم إنما صعب عليهم الإِحلال بالعمرة؛ لأنهم قد سمّوا الحج، لا لأن ما كان في نفوسهم من أن العمرة في

الصفحة 167