كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، لم يزل باقيًا إلى ذلك الوقت، لأن حديث جابر المذكور، أعني قوله: فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، لا يحتمل هذا الاحتمال، بل معناه: أن تعاظم الإِحلال بعمرة عندهم؛ لأنه في وقت الحج كما بينا، وهو يدل على أن ذلك هو المراد من هذا الحديث الأخير، وأنه ليس المراد الاحتمال المذكور، كما جزم به ابن حجر في الفتح في كلامه على الحديث الذي ذكرناه عنه آنفًا.
ويبين أيضًا أن ذلك هو معنى حديث جابر عند مسلم، حيث قال رحمه الله في صحيحه: حدثنا ابن نمير، حدثني أبي، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أهللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فما ندري أشيء بلغه من السماء، أم شيء من قبل الناس؟ فقال: "أيها الناس أحلوا فلولا أن معي الهدي فعلت كما فعلتم" الحديث.
فقول جابر رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح: فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، يدل على أن ما كان في نفوسهم من كراهة العمرة في أشهر الحج لم يزل، ولولا ذلك لما كبر عليهم، ولا ضاقت صدورهم بالإِحلال بعمرة في أشهر الحج، كما أوضحه حديثه المذكور أيضًا. وعلى هذا الذي ذكروه فالذي استدبره من أمره، ولو استقبله لم يسق الهدي: هو ملاحظة البيان المذكور، وإن كان قد بين ذلك سابقًا لاحتياجه إلى تأكيد البيان في مثل ذلك الجمع، وهو مودع، ولا ينافي ذلك أنه أمر القارنين بالفسخ المذكور