كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

مع أن العمرة المقرونة مع الحج فيها البيان المذكور؛ لأن العمرة المفردة عن الحج أبلغ في البيان؛ لأنها ليست مع الحج، فهي مستقلة عنه، فلا يحتمل أنها إنما جازت تبعًا. وقد أوضحنا في هذا الكلام حجة من قال من أهل العلم بتفضيل الإِفراد على غيره، من أنواع النسك، وجوابهم عما جاء من الأحاديث دالًّا على أفضلية القرآن أو التمتع، ووجه جمعهم بين الأحاديث الصحيحة التي ظاهرها الاختلاف في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
المسألة الرابعة
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن القرآن هو أفضل أنواع النسك، وممن قال بهذا: أبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والمزني، وابن المنذر، وأبو إسحاق المروزي، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب. واحتج أهل هذا القول بأحاديث كثيرة، دالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا في حجته:
منها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج" الحديث أخرجاه بهذا اللفظ.
ومنها: ما أخرجه الشيخان متصلًّا بحديث ابن عمر من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة: أنها أخبرته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث ابن عمر المذكور سواء، ومنها: ما رواه مسلم والبخاري في صحيحيهما من حديث قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر: "أنه قرن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافًا واحدًا" ثم قال: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

الصفحة 169