كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

وأخرج البخاري هذا الحديث عن معاوية بلفظ قال: قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص. فالاستدلال بهذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحل بعمرة في حجة الوداع غلط فاحش، مردود من وجهين:
الأول: أنه ليس في الحديث المتفق عليه ذكر حجة الوداع، ولا شيء يدل على أن ذلك التقصير كان فيها.
الثاني: ورود الرواية الصحيحة التي لا مطعن فيها أنه لم يحل إلَّا بعد الرجوع من عرفات، بعد أن نحر هديه.
وقال النووي في كلامه على حديث معاوية هذا: وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة الجعرانة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع كان قارنًا كما سبق إيضاحه، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي الله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضًا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلمًا، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور. ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعًا؛ لأن هذا غلط فاحش فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السابقة في مسلم وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ قال: "إني لبدت رأسي، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي" وفي رواية "حتى أحل من الحج" والله تعالى أعلم. انتهى كلام النووي. ولا شك أن حمل حديث معاوية على حجة الوداع لا يصح بحال. والعلم عند الله تعالى.

الصفحة 176