كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
التنبيه الثاني
اعلم أن دعوى من ادعى أنه لم يحل بعمرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع إلَّا من أحرم بالعمرة وحدها، وأن من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة لم يحل أحد منهم حتى كان يوم النحر دعوى باطلة أيضًا؛ لأن الروايات الصحيحة التي لا مطعن فيها عن جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - متظاهرة بكل الوضوح والصراحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر كل من لم يكن معه هدي أن يحل بعمرة، سواء كان مفردًا أو قارنًا. ومستند من ادعى تلك الدعوى الباطلة هو ما أخرجه مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، فمنا من أهلّ بعمرة، ومنا من أهلّ بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج. فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. انتهى منه؛ لأن الذين لم يحلوا من القارنين، والمفردين في هذا الحديث ونحوه من الأحاديث يجب حملهم على أن معهم الهدي؛ لأجل الروايات الصحيحة المصرحة بذلك، وبأن من لم يكن معهم هدي فسخوا حجهم في عمرة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
التنبيه الثالث
اعلم أن دعوى من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أحرم إحرامًا مطلقًا، ولم يعين نسكًا، وأنه لم يزل ينتظر القضاء، حتى جاءه القضاء بين الصفا والمروة أنها دعوى غير صحيحة وإن قال الإِمام الشافعي في اختلاف الحديث أن ذلك ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن