كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

الروايات المتواترة المصرحة بأنه - صلى الله عليه وسلم - عين ما أحرم به من ذي الحليفة من إفراد، أو قران، أو تمتع، لا تمكن معارضتها لقوتها، وتواترها، واتفاق جميعها على تعيين الإِحرام من ذي الحليفة وإن اختلف في نوعه. ومستند من ادعى تلك الدعوى أحاديث جاءت يفهم من ظاهرها ذلك:
منها: حديث عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا نذكر
حجًّا، ولا عمرة. وفي لفظ: يلبي، ولا يذكر حجًّا ولا عمرة، ونحو ذلك من الأحاديث. وهذا لا تعارض به تلك الروايات الصحيحة المتواترة.
وقد أجاب العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن الأحاديث التي استدل بها من ادعى الدعوى المذكورة، فأفاد وأجاد. والعلم عند الله تعالى.
التنبيه الرابع
اعلم أن الأحاديث الواردة بأنه كان مفردًا، والواردة بأنه كان قارنًا، والواردة بأنه كان متمتعًا لا يمكن الجمع ألبتة بينها إلَّا الواردة منها بالتمتع، والواردة بالقران، فالجمع بينهما واضح؛ لأن الصحابة كانوا يطلقون اسم التمتع على القران، كما هو معروف عنهم، ولا يمكن النزاع فيه، مع أن أمره - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتمتع قد يطلق عليه أنه تمتع؛ لأن أمره بالشيء كفعله إياه. أما الواردة بالإِفراد فلا يمكن الجمع بينها بحال مع الأحاديث الواردة بالتمتع، والقران، فادعاء إمكان الجمع بينها غلط وإن قال به خلق لا يحصى من أجلاء العلماء.

الصفحة 178