كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

واختلفوا في وجه الجمع على قولين كما أوضحناه، فمنهم من جمع بأن أحاديث الإِفراد يراد بها: أنه أحرم أولًا مفردًا، وأحاديث القرآن يراد بها: أنه بعد إحرامه مفردًا أدخل العمرة على الحج، فصار قارنًا، فصدق هؤلاء باعتبار أول الأمر، وصدق هؤلاء باعتبار آخره، مع أن أكثرهم يقولون: إن إدخال العمرة على الحج خاص به - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يجوز لغيره. وهذا الجمع قال به أكثر المالكية، والشافعية.
وقال النووي: لا يجوز العدول عنه. ومنهم من جمع بأن أحاديث الإِفراد يراد بها: إفراد أعمال الحج، والقارن يعمل في سعيه وطوافه كعمل المفرد على أصح الأقوال وأقواها دليلًا، وكلا الجمعين غلط، مع كثرة وجلالة من قال به من العلماء. وإنما قلنا: إنهما كليهما غلط؛ لأن المعروف في أصول الفقه، وعلم الحديث أن الجمع لا يمكن بين نصين متناقضين تناقضًا صريحًا، بل الواجب بينهما الترجيح، وإنما يكون الجمع بين نصين لم يتناقضا تناقضًا صريحًا، فيحمل كل منهما على محمل ليس في الآخر التصريح بنقيضه، فيكونان صادقين، ولأجل هذا فجميع العلماء يقولون: يجب الجمع إن أمكن، ومفهوم قولهم: إن أمكن أنهما إن كانا متناقضين تناقضًا صريحًا، لا يمكن الجمع بينهما، بل يجب المصير إلى الترجيح.
فإذا علمت هذا فاعلم أن أحاديث الإِفراد صريحة في نفي القران، والتمتع لا يمكن الجمع بينها أبدًا، وبين أحاديثهما، فابن عمر رضي الله عنهما في حديثه الصحيح المتقدم يكذب أنسًا في دعواه القرآن تكذيبًا صريحًا المرة بعد المرة، كما رأيته سابقًا، فكيف يمكن الجمع بين خبرين والمخبران بهما كل منهما يكذب الآخر

الصفحة 179