كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
تكذيبًا صريحًا، فالجمع في مثل هذا محال، ومن ادعى إمكانه فقد غلط كائنًا من كان، بالغًا ما بلغ من العلم والجلالة. وعائشة رضي الله عنها في حديثها الصحيح المتقدم تقول: فمنا من أهلّ بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهلّ بحج، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج. فذكرها الأقسام الثلاثة وتصريحها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بواحد معين منها، لا يمكن الجمع بينه، وبين خبر من قال: إنه أحرم بقسم من القسمين الآخرين كما ترى، وفي بعض الروايات "أحرم بالحج خالصًا"، وفي بعضها "أحرم بالحج وحده" وفي بعضها "لا نعرف العمرة ... " إلخ. وأحاديث القران فيها التصريح بأنه يقول: لبيك حجًّا وعمرة فالجمع بينهما لا يمكن بحال إلَّا على قول من قال: إنه كان قارنًا يلبي بهما معًا، فسمع بعضهم الحج والعمرة معًا، وسمع بعضهم الحج دون العمرة، وبعضهم العمرة دون الحج، فروى كل ما سمع. وعلى أن الجمع غير ممكن فالمصير إلى الترجيح واجب، ولا شك عند من جمع بين العلم والإِنصاف أن أحاديث القران أرجح من جهات متعددة:
منها: كثرة من رواها من الصحابة، وقد قدمنا عن ابن القيم أنها رواها سبعة عشر صحابيًّا، وأحاديث الإِفراد لم يروها إلَّا عدد قليل، وهم: عائشة، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وأسماء، وكثرة الرواة من المرجحات. قال في مراقي السعود في مبحث الترجيح باعتبار حال المروي:
وكثرة الدليل والرواية ... مرجح لدى ذوي الدراية
كما قدمناه في البقرة.