كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 7)

معنى النفي، فيتسلط النفي الكامن فيها على النفي الصريح في (لم) فينفيه، ونفي النفي إثبات، فيرجع المعنى إلى الماضي المثبت. وعليه، فالمعنى: (ألم يأن للذين) أي آن للذين آمنوا.
والوجه الثاني: أن الاستفهام في جميع ذلك التقرير، وهو حمل المخاطب على أن يقر فيقول: بلى.
وقوله: (يأن) هو مضارع أنى يأنى إذا جاء إناه أي وقته، ومنه قول كعب بن مالك رضي الله عنه:
ولقد أنى لك أن تناهى طائعًا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد
فقوله: "أنى لك أن تناهي طائعًا" أي جاء الإِناه الذي هو الوقت الذي تتناهى فيه طائعًا، أي حضر وقت تناهيك.
ويقال في العربية: آن يئين، كباع يبيع، وأنى يأني كرمى يرمي، وقد جمع اللغتين قول الشاعر:
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
والمعنى على كلا القولين: أنه حان للمؤمنين، وأَنَى لهم أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي جاء الحين والأوان لذلك، لكثرة ما تردد عليهم من زواجر القرآن ومواعظه.
وقوله تعالى: {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} المصدر المنسبك من أن وصلتها في محل رفع فاعل بأن.
والخشوع أصله في اللغة السكون والطمأنينة والانخفاض، ومنه قول نابغة ذبيان:
رماد ككحل العين لأيا أبينه ... ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
فقوله: "خاشع" أي منخفض مطمئن.

الصفحة 869