كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 1)

فهذه القِباب المشيدة، وهي أوثان هذه الأمة، أضلت كثيرًا من الناس، وأكثر من الكثير، وافتتنوا بها، وبأسماء اصحابها حتى ألهتْهم عن دنياهم وأفسدت عليهم أخراهم، وغلوا (77) في تعظيمها حتى أصبحت معبودة تُشَدُّ إليها الرحال، وتقرَّبُ لها القرابين والنذور، وتسأل عندها الحاجات التي لا تسْأَلُ إلّا من الله، ويحلف بها من دون الله، ويتآلى (78) بها على الله، وما جَرَّ هذا البلاء على الأمة الإسلامية حتى أضاعت الدين والدنيا، إلّا سكوتُ العلماء عن هذه الأباطيل أول نشأتها، وعدمُ سدِّهم لذرائعها حتى طغت هذا الطغيان على عقول الأمة، ولو أنهم فقهوا الأمة في كتابِ ربها، وساسوها بسنة نبيها لكان لها من سيرة إبراهيم ومحمد عاصمٌ أي عاصم من هذا الشر المستطير.
إنني أحث التّالين لكتاب الله من حفّاظه والمُنصِتين له من المحافظين على سماعه منهم، على تدبر الآيات الجامعة لقصص إبراهيم، كلما مرت بهم آية البقرة (79) من قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى (80) إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ (81) فَأَتَمَّهُنَّ (8)، قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (83)، قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي (84) الظَّالِمِينَ) والآية (83) الأخرى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي (86) حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، فَبُهِتَ (87) الَّذِي كَفَرَ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وآية (88) الأنعام: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ (89) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (90).}
__________
77) بالغوا، تجاوزوا الحد.
78) يقسم ويحلف، تألى وأتلى، وآلى، والالوة: القسم.
79) الآية 124 (البقرة).
80) الابتلاء في الأصل: التكليف بالأمر الشاق، ثم أطلق على الاختبار والامتحان.
81) بأوامر ونواه.
82) فأداهن.
83) قدوة ومنارًا.
84) لا ينال هذا الفضل العظيم أحد من الكافرين.
85)) البقرة، الآية 258.
86) الذي: "نمرود بن كنعان الجبار"، جادل.
87) فبهت: فأخرس، وغلب، وانقطعت حجته.
88) الأنعام، الآية 75.
89) الملك العظيم، أو الآيات أو العجائب ...
90) من الراسخين في اليقين، واليقين: إزاحة الشك، وتحقيق الأمر، والوضوح، أو العلم الحاصل عن نظر واستدلال.

الصفحة 397