كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 2)
مَا زَالَ مِنْ دَلَالِهِ عَلَيْنَا … يُجْهِدُ فِي جَرِّ الْأَذَى إِلَيْنَا
حَتَّى رَمَاهُ اللهُ مِنِّي بِخَصِمْ … لَا يَنْثَنِي عَنْ خَصْمِهِ أَوْ يَنْقَصِمْ
الْجَنَّانُ: دَاكُورُ (35) ...
الْجَلَّالِي: ... يَا أَخِي وَمَا مَعْنَى دَاكُورْ؟ فَإِنَّنِي لِلَفْظِهَا غَيْرُ ذَكُورْ
الْجَنَّانُ: إِنْ لَمْ أُعِنْ أَخِي أَكُنْ غَيْرَ شَكُورْ … لِفَضْلِهِ وَكُنْتُ لِلْعُرْفِ نَكُورْ
وَكُنْتُ أَهْلًا لِلْجَفَاءِ وَالْمَلَامْ … وَالِاحْتِقَارِ الزُّمَلَاءِ ...
الْجَلَّالِي: ... وَالسَّلَامْ
وَعِشْتَ يَا جَنَّانُ وَانْتَعَشْنَا … وَإنْ عَلَا السِّنُّ فَلَا ارْتَعَشْنَا
يَفْرَغُ الْمُدِيرُ فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهِمَا:
الْمُدِيرُ: وَيْحَكُمَا أَتَجْهَلَانِ النَّحْوَا؟ … وَتَسْأَلَانِ بِالثُّبُوتِ الْمَحْوَا
وَتَفْهَمَانِ الْأَمْرَ بِالْمَقْلُوبِ … وَالْجَهْلُ حَظُّ الْخَاسِرِ الْمَغْلُوبِ
فَأَيْنَ مِنْكُمْ صَنْعَةُ الْبَيَانِ … وَسِرُّهَا الْمُودَعُ فِي الْأَذْهَانِ؟
وَأَيْنَ مَا صَرَفْتُمَا مِنْ زَمَنِ … فِي جَدَلٍ مِثْلَ الْمَخَاضِ الْمُزْمِنِ؟
وَأَيْنَ مَا تَسْتَفْرِغَانِ فيهِ … جُهْدَكُمَا مِنْ غَرَضٍ نَبِيهِ؟
وَأَيْنَ مَا ضَيَّعْتُمَا مِنْ عُمْرِ … فِي ضَرْبِ زَيْدٍ لِأَخِيهِ عَمْرِو؟
وَلَوْ دَرَسْتُ عُشْرَ مَا دَرَسْتُمَا … لَمْ أَجْرُشِ الشَّرْيَ الَّذِي جَرَشْتُمَا
أَخْطَأْتُمَا مَوَاقِعَ الْإِصابَهْ … وَوَضْعَهَا فِي النُّطْقِ وَالْكِتَابَهْ
وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْعَابِدِ اخْتِصَاصِي … تَشِيمُ بَرْقَ الْفَهْمِ مِنْ خَصَاصِ
وَأَنْتَ مِنْ حَمَلَةِ الْأَقْلَامِ … وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُ رَسْمَ اللَّامِ (36)
الْجَنَّانُ: أُحْجِيَّةٌ جَاءَ بِهَا الرَّئِيسُ … لَا يَسْتَطِيعُ حَلَّهَا إِبْلِيسُ
الْمُدِيرُ: قَدْ قُلْتُ ذَاكَ الْقَوْلَ في أَدِيبِنَا … وَمُسْتَحِقِّ الْفَضْلِ فِي تَأْدِيبِنَا
جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِنْشَاءِ … تَحْبيرَ طَرَّازٍ لَهَا وَشَاءَ
وَلَمْ أُرِدْ بِالْجُمْلَةِ الْإِخْبَارَا … وَإنَّمَا أَرَدْتُ الِاسْتِخْبَارَا
فَهْوَ كَلَامُ السَّائِلِ الْمُسْتَفْهِمِ … عَنْ غَرَضٍ فِي ذِهْنِهِ مُسْتَبْهِمِ
__________
35) داكور: كلمة فرنسية معناها موافق.
36) اللّام: الشخص. واللّام: الحَرْفُ. وكل منهما تأتي معه كلمة الرسم. ورسمُ الشخص: هو تصويرُه. ولذلك جاء الإلْغاز متمكنًا، فالمدير يريد أن ابن العابد، وإن كان كاتبًا، لكنه لا يُحسن التصوير اليدوي للأشخاص، لأنه لكل فن رجاله. فجاء بهذه التورية البديعية التي تفطن لها الْجَنَّانُ.
الصفحة 73