كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

* موضوع القصيدة، الذي هو الإشادة بالمركز العام لجمعية العلماء في الجزائر العاصمة، الذي أصبح محورَ النشاط الديني، والثقافي، والسياسي.
لقد تناولت هذه المقالات العَيْناء عدة قضايا كانت وما تزال موضع اهتمام، ومجال صدام إلى يوم الناس هذا، ولم يتغيّر منها إلا الأسلوب والوسائل.
تناول قضية فصل الدين عن الحكومة، وبرهن في مقالاته أنه لا حق لفرنسا في الإشراف على الدين الإسلامي، لأنها ليست دولة إسلامية، ولأن دستورها يُحرِّم عليها الإشراف حتى على دينها. فأي منطق يخوِّلُ لها الإشراف على الدين الإسلامي؛ ويصل الإمام إلى لُبِّ القضية؛ وهو أن إشراف فرنسا على الدين الإسلامي إنما هو بقصد محوه، ويستوي في هذا القصد جميع الفرنسيين، فـ"إلى الآن لم يرزقنا الله حاسّة ندرك بها الفرق بين فرنسي وفرنسي .. بل الذي أدركناه وشهدت به التجارب القطعية أنهم نُسَخٌ من كتاب؛ فالعالم، والنائب، والجندي، والحاكم، والموظف البسيط، والفلاح كلهم في ذلك سواء، وكلهم جَارٍ على جِبِلَّةٍ كأنها من الخَلْقيات التي لا تتغير، ومَن زَعَم فيهم غير هذا فهو مخدوع أو مخادع" (9). وننبّه هنا إلى أن بعض دعاة اللائكية في بلادنا يخدعون الشعب وُيوهِمُونه بأنهم إنما يدعون إلى مادعا إليه الإمام الإبراهيمي من فصل الدين عن الدولة. وكذبوا، وصدق الإمام الإبراهيمي. وهم في كذبهم كأسلافهم الذين تقوَّلُوا على الله، فقالوا إنه يقول: "لا تقربوا الصلاة .. "، ويقول: "فويل للمصلين .. ".
إن الإمام الإبراهيمي دعا إلى فصل الدين الإسلامي عن الدولة الفرنسية، لأنها دولة نصرانية في الجوهر، لائكية في المظهر، وفي كلتا الحالتين لاحق لها في الإشراف على الدين الإسلامي. أما اللائكيون عندنا فهَدَفُهُم هو القضاء على الإسلام في الجزائر، ودعوتهم هذه مرحلة من مراحل تحقيق ذلك الهدف.
وفي تناوله لهذه القضية المحورية، راغ الإمامُ الإبراهيمي على مخططيها ومنفّذيها ضَرْبًا باليمين، وسَقاهُم حميمًا وغسَّاقًا، جزاء وفاقًا.
وعلى رأس مخططيها المستشرق الفرنسي "لويس ماسينيون "، مهندس السياسة الفرنسية في الشؤون الإسلامية، ولا شك أن الإمام يعلم- منذ كان في الشام- مَدى تورُّط "ماسينيون" في المشروع الاستعماري، حيث عمل فترة في القنصلية الفرنسية ببيروت، وكان مكلَّفًا بمهمة قَذِرة؛ وهي شراء ذِمَم مَن لا ذمّة لهم، واستنزال هِمَم من لا همّة لهم، حتى سُمِّي "الصندوقْجِي"، كما كُلِّف سنة 1919 - من طرف وزارة الخارجية
__________
9) انظر مقال "هل دولة فرنسا لائكية؛ " في هذا الجزء من الآثار.

الصفحة 26