كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

الفرنسية- "بوضع نظام أساسي سوري بالاتفاق مع الأمير فيصل بن الحسين- ملك العراق لاحقًا - وقد استمرّ عمله ستة أشهر" (10).
ومن المعروف أن الإمام الإبراهيمي كان على علاقة طيبة مع الأمير فيصل، الذي دعاه إلى العودة إلى الحجاز للإشراف على شؤون المعارف، فاعتذر الإمام.
وقد كان ماسينيون يحقد على الإمام الإبراهيمي، لأنه كان يتصدّى لمخططاته ويكشفها، وقد وصل هذا الحقد إلى درجة لم يستطع ماسينيون معها كتمانه، فقال للدكتور جميل صليبا: "إن هذا الرجل- الإبراهيمي- من ألدّ أعدائي" (11).
ومن منفذي السياسة الفرنسية في الميدان الديني الطرقيون المنحرفون ورجال الدين الرسميون، وفي مقدمتهم "محمد العاصمي"، الذي أنْعَمتْ عليه فرنسا بمنصب مفتي الحنفية في الجزائر، وبما أن المذهب الحنفي لم يَبْقَ له وجود في الجزائر، فقد رأى الإمام الإبراهيمي أن هذه النسبة- المفتي الحنفي- ليست لأبي حنيفة، وإنما هي لبني حنيفة، قوم مسيلمة الكذاب.
وتناولت هذه المقالات قضية التعليم العربي ومعاملة الدولة الفرنسية له ولأصحابه، وكشف الإمام في هذه المقالات نية الفرنسيين، وهي أنهم يريدون تجريد الجزائريين من "وطنهم الفكري"، كما سلبوهم "وطنهم الجغرافي"، وكما يريدون سَلْبَهم وتجريدهم من "وطنهم الروحي".
من أجل ذلك جعل الإمام التعليمَ العربيَّ شُغلَه الشاغل، وهمَّه الدائم، وكان يعتبره قضية حياة، لا بقاء للشعب الجزائري إلّا به.
وفي هذا الإطار تناول الإمام قضية اللهجة البربرية التي لم تطرح في الجزائر منذ أشرقت أرضها بنور الإسلام، رغم أن كل الدول الإسلامية التي نشأت في الجزائر بربرية. وكشف الإمام الهدف الفرنسي من وراء الدعوة إلى البربرية، وتخصيص إذاعة لها، وهو أنه "سلاح مبتكر لحرب العربية ومكيدة مدبرة للتقليل من أهميتها، وحجة مصطنعة لإسكات المطالبين بحقّها في وطنها" (12)، "ومن عادة الاستعمار أن يحيي المعاني الميتة ليقتل بها المعاني الحية"، كما يقول الإمام الإبراهيمي.
__________
10) عن أعمال ماسينيون في الشام، انظر: حسني سبح، خواطر وسوانح وعِبر، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ج 3، مجلد 59، يوليو 1984، وج 4، مجلد 59، أكتوبر 1984، وانظر مقال: "لجنة فرانس- إسلام" في هذا الجزء من الآثار.
11) مجلة الثقافة، ع 87، الجزائر، مايو- يونيو 1983، [ص:37].
12) انظر مقال "موجة جديدة" ومقال "اللغة العربية في الجزائر عقيلة حرة .. " في هذا الجزء من الآثار.

الصفحة 27