كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

للقضية الجزائرية، والوسيلة الوحيدة لنجاحها، ومن أجل ذلك توجّه إلى الشعب الجزائري ودعاه إلى حمل الأحزاب على الاتحاد.
وينبغي الإشارة هنا إلى ما يردّده بعض المغرضين من أن الإمام الإبراهيمي كان يوالي حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري؛ الذي كان في مواقفه بعضُ اللين تجاه فرنسا، ويناوئ حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية الداعي إلى الانفصال عن فرنسا.
والحقيقة هي أنه ما كان الإبراهيمي "بيانيًا " ولا "انتصاريًا "، ولكنه كان يعتبر نفسه والجمعية التي يرأسها "فوق الأحزاب"، ليكونا حَكَمًا بينها، إن تنازعت في شيء أو اختلفت في شأن.
كان الإمام الإبراهيمي يعلم أن مواقف أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري من ثوابت الشعب الجزائري يشوبها بعض الضعف، وأن مواقفهم السياسية يطبعها بعض اللين، وكل ذلك بسبب الثقافة الفرنسية التي تلقّوها (17)، وكان يعلم- أيضا- أن فيهم كفاءات علمية، وطاقات فكرية كان الشعب الجزائري في أمسّ الحاجة إليها، فكان الإمام بين أمرين: إمّا أن يهمل تلك الكفاءات، ويفرط في تلك الطاقات فلا تستفيد الجزائر منها، وإمّا أن يعمل على كسبها، ويجتهد في أن يعيدها إلى شعبها، ويُنقذها من ضلالها، فتصير أكثر إيمانًا بثوابت شعبها، وأَصْلَب في مواقفها السياسية، وهذا ما فعله الإمام. إنّ مَثَلَه في ذلك كَمَثَل الطبيب الذي يغشى المواطن الموبوءة لعلاج الناس وإنقاذهم من الوباء الفاتك. وقد أثبتت الأيام حِكمة تصرّف الإمام، وسدادَ رأيه، إذ اعترف كثير من أعضاء ذلك الحزب بأخطائهم، وتراجعوا عن مواقفهم السياسية، وانضموا إلى الثورة التحريرية.
وتحدّث الإمام عن سياسة القمع والإرهاب الفرنسية في الجزائر، فكشف دسائسها، وصوَّر فضائعها، وفضح وسائلها، فتناول ذلك الدستور في وصفه بـ"الأعرج" الذي فُرِض على الشعب الجزائري، وسَخِر من ذلك "البرلمان" الأخرس، ومن أعضائه، إذ رفض أن يسمّيهم نوّابًا، "مادامت الانتخابات بِالعِصِيِّ"، وندَّد بتلك الحملات الوحشية التي كانت تُرْعِبُ الآمنين، وتبطش بالمستضعفين. وفي هذا الإطار تندرج تلك المقالات المُعَنْوَنة بـ"ويح المستضعفين- حَدِّثونا عن العدل فإننا نسيناه 1، 2، 3 - ويحهم ... أهي حملة حربية"، وهي مقالات لا يعلم كثير من الناس أنها كُتِبَت إثْر "الاعتقال للمئات من شباب
__________
17) الحقيقة هي أن بعض أعضاء "حزب الشعب الجزائري"، الذي صار يسمى "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" كانوا هم أيضًا - وما يزالون- مُسْتَلَبين، ولم تكن نظرتهم إلى الدين الإسلامي واللغة العربية، والاستقلال الحضاري، أفضل من نظرة أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري.

الصفحة 29