كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

- إنها تشبه القضية الجزائرية، فاليهود يريدون استئصال الفلسطينيين من فلسطين، كما يريد الفرنسيون استئصال الجزائريين من الجزائر.
من أجل ذلك، لم يكتفِ الإمامُ الإبراهيمي في قضية فلسطين بالقول، ولكنه سارع إلى الفعل، فشكَّل هيئة عليا لإعانة فلسطين (21)، وتبرَّع لها بأنفس ما يملك العالِمُ، وهو مكتبته (22)، وخَرَج من مالٍ اقترضه، ليُؤْثِرَ به- رغم خصاصته- مَن جاءه يستعينه على السفر إلى فلسطين للجها د (23).
ويضم هذا الجزء مقالات تناولت شخصيات مدحًا أو قدحًا. والإمام الإبراهيمي عندما يمدح شخصًا لا يمدحه لذاته مهما علت منزلته، أو غلت قيمته، ومهما عظم جاهه أو كَثُر ماله، أو غزُر عِلْمُه، ولكنه يمدح ما يجسده ذلك الشخص من وفاء لمبادئ الإسلام، وجهادٍ في سبيلها، وولاءً للأوطان وسعي في تحريرها، وهو عندما يذم شخصًا لا يذمّه لذاته، ولكنه يذم فعاله، ويُقَبِّح خِلالَه من انعدام مروءة، وسفالة همة، وخيانة الإسلام، وولاء لأعدائه، وتنكّر للأوطان وسعي في إذلالها.
لقد أشاد بالإمام ابن باديس، وكيف لا يستحق الإكبار والتمجيد من "أحيا أمة تعاقبت عليها الأحداث والغِيَرُ، ودينًا لابَسَتْه المحدثات والبدَعُ، ولسانًا أكلته الرطانات الأجنبية، وتاريخًا غطّى عليه النسيان، ومجْدًا أشاعه ورثةُ السوء، وفضائل قتلتها رذائل الغرب" (24)؛ وأشاد بالإمام محمد الطاهر بن عاشور، لأنه عَمِل لإصلاح "الزيتونة" التي أطفأ نُورها التقليدُ الأعمى، والكسلُ العقلي، والشلل الذهني، وسعى إلى إعادتها شجرة مباركة، يُضيءُ زيتُها، وتؤتي أكلها. ورَثَى "المنصف باي"، لأنه نَهَج لأمته نهْجَ الكرامة، وشرع لها سنن التضحية، وعلَّمَها "كيف تموت الأسود جوعًا وظمأ، ولا تطعمُ الأذى ولا تَرِد القذى". وأثْنَى على محمد خطاب، ذلك الرجل العصامي الذي أنفق من مال الله الذي آتاه، فبنى صروحًا للعلم، وشاد قلاعًا للدين، ولم يُلْهِه التكاثر في الأموال عن حقوق الأوطان. وانتصر للسلطان محمد الخامس في محنته، وفي الدفاع عن حقوق وطنه، لأنه أبَى أن يعطي الدنية في دينه، ورفض أن يكون عَبْدًا في صورة مَلِك ...
__________
21) انظر مقال "الهيئة العليا لإعانة فلسطين" في الجزء الثاني من هذه الآثار.
22) انظر مقال "أما عرب الشمال الافريقي" في هذا الجزء من الآثار.
23) شهد بذلك الأستاذ حمزة بوكوشة- رحمه الله- في مقاله "لحظات مع الشيخ البشير الإبراهيمي"، جريدة الشعب، عدد 2309، الجزائر، 21 مايو 1970.
24) انظر مقال "الرجال أعمال" في هذا الجزء من الآثار.

الصفحة 31