كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

أما الذين أساءوا بما علموا، فقد كان لهم الإمامُ بالمرصاد، ومنهم عبد الحي الكتّاني، الذي "هو مكيدة مدبَّرة، وفتنة محضَرَة .. " اتّخذه الاستعمار الفرنسي سُخْرِيًّا، يفرِّقُ به الصف، ويشتت به الرأي، ويوهن به العزم، ويُضِلُّ به عن سواء السبيل، ويسوق على يده الويل.
...

يقول الإمام الإبراهيمي:
لا نرتضي إمَامَنا في الصَّفِّ ... ما لم يكن أَمَامَنا في الصَّفِّ
وإن هذه المقالات تؤكد أن الإمامَ كان في مقدمة صفوف أمّته وشعبه، يقود أنصار الحق، ويضرب الأمثال للناس في الصدع بالحق، والثبات عليه، وعدم التفريط فيه مهما تكن الابتلاءات، وتتوالَ الامتحانات.
إن من أهمّ أسباب نجاح الإمام الإبراهيمي في أداء الأمانات الثقيلة التي حَمَلَها، ولم يَؤُدْه حِفْظُها، أنه لم يكن يسعى لدنيا يصيبها، أو لزعامة زائفة ينالها، ولكنه كان يجاهد في سبيل رفعة الإسلام، وفي سبيل استعادة سيادة الجزائر، وفي سبيل عزة المسلمين.
إن هناك "زعماء" ادّعوا الجهاد في سبيل تلك المبادئ، ولكن الأيام سرعان ما كشفتهم، وتبيّن أنهم يقولون فيها بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وظهر للناس أنهم ما كانوا يعملون إلا لتحقيق أغراض شخصية، ونيل مآرب آنية، بل إن منهم من قضى بقية حياته في حماية أعداء شعبه، ولذلك لفظهم الناس، وأهملهم التاريخ، فلم يُرفع لهم ذكر، ولم يكتب في فضلهم سطر، ولم يُخلَّد لهم اسم.
تمتاز هذه المقالات بالأسلوب الجميل، والمعنى الجليل، والهدف النبيل، والرأي الأصيل، وعمق التحليل، ودقة التعليل، فاستحقّت أن تُسَمَّى "عُيُونًا"، واستحقّ مُنْشِئُها أن يقال فيه:
قليل منك يكفيني ولكن ... قليلك لا يقال له قليل
وأن يقال أيضًا:
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل
سمَّى الإمام الإبراهيمي هذه المقالات "عيون البصائر"، وإن لكلمة "العين" في لغة يعرب لَمَعانٍ كثيرة، منها: العين، نبع الماء، والماء هو مصدر الحياة، فكأن "عيون البصائر"

الصفحة 32