كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

"ماءً فكريًا"، تحيا به العقول، كما تحيا بالماء الحقول، وقد كانت عيون البصائر "ماءًا حيويًا" ضد "الأفكار الميتة" التي يشيعها الطرقيون والضُّلّال، وضد "الأفكار القاتلة" التي يبثّها أرباب "المَخابِر الفكرية" الفرنسية، وأتباعهم من "المسلمين".
والعين، هي آلة الإبصار التي تمنع المرء من الوقوع في المطبات، والاصطدام بالأشياء، وقد كانت هذه المقالات "عيونًا " أبصر بها الجزائريون طريقهم، ورأوا بها عدوَّهم، وأبصروا بها حقائق دينهم ودنياهم. والعين هو النفيس من كل شيء، وقد كانت هذه المقالات وستبقى من أنفس ما دَبَّجَتْه الأقلام، وأبدعته الأحلام، من معاني فحْلَة في عبارات جزلة.
وقديمًا قيل:
وقلَّما أبصرتْ عيناك ذا لَقَب ... إلا ومعناه- إن فكَّرْتَ- في لقبه
وإن صاحب هذه الآثار هو "محمد البشير طالب الإبراهيمي".
فـ"محمد"، اسم مفعول من "التحميد"، والإمام يستحق ذلك لعظيم فِعالِه، وجَليل خِلاله. و"البشير"، فقد كان الإمام بشيرًا لوطنه وقومه، زرع فيهم الأمل، ودعاهم إلى العمل، وأخرجهم من اليأس، وجعل لحياتهم هدفًا نبيلًا يسعون إلى تحقيقه، ويكدحون في سبيله. و"طالب"، وقد كان الإمام طالبَ حق لوطنه، وطالب كرامة لقومه، وطالب عز وسؤدد لأمته. و"الإبراهيمي"، وقد قَبَض الإمام قَبْضَةً من جهاد أبيه إبراهيم (25) - عليه السلام- ضد الشِّرْك والضلال، فعاش داعيًا إلى التوحيد، دالًّا على الله بآيات كتابه المسطور، وعجائب كتابه المنظور.
رحم الله الإمام الإبراهيمي، وجزاه عن جهاده الجزاء الأوفى، وجعلنا أهلًا لحمل تراثه.

محمد الهادي الحسني
البليدة (الجزائر)، 16 أفريل 1997.
__________
25) اقتباسًا من قوله تعالى: { .. مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} سورة الحج، الآية 78.

الصفحة 33