كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

وإن أعرَى الأشجار باشتداده، إلا خزنًا لقوة الحياة في الأشجار، والشمس موجودة، وإن غابت عن نصف الكون، والشجرة حية، وإن أفقدها الصرّ جمالَ اللون، كذلك صحيفة «البصائر»، احتجبتْ صورتها عن العيان، وإن كانت حيةً في النفوس، ممثلة في الأفكار، وإن في احتجابها لصُنعًا إلهيًّا، يدركه أيقاظ الشواعر، وأحياء الضمائر، وهو إذكاءُ الشوق إليها، فقد كان الشوق إليها يتجدد في أخريات كل أسبوع، فتطفئه قعقعة البريد، واتصالُ المراد بالمريد، فأصبح الشوق إليها- بعد احتجابها- يتجدد في كل يوم.
ولقد اشتدّ شوقُ العالم الإصلاحي إلى جريدته، واتصل حنينه، وطال انتظاره، وأصبح - لتعلقه بها- يوجه العتابَ القاسي إلى المسؤولين عنها. لأنه كان يرى فيها مددًا من النصرة وفيضًا من القوة، وكانت أعدادُها تحمل إليه حقائقَ الدين الإسلامي، ونفحات البيان العربي، وكان يرى من مقالاتها صواعق مرسلةً على المبتدعة والظالمين، ويجدُ في قراءتها سلوةَ الظاعن وأنسَ المقيم.
إن «البصائر» في حقيقتها فكرةٌ استولت على العقول، فكانت عقيدةً مشدودةَ العقد ببرهان القرآن، ثم فاضت على أسلات الألسنة فكانت كلامًا مشرقَ الجوانب بنور الحكمة، ثم جاشت على أسنة الأقلام، فكانت كتابةً في صحيفة، والذي تعطل من «البصائر» إنما هو المظهر الأخير من مظاهرها، وما كان للظلم وإن مَدّ مده، وجهد جهدَه، ولا للحوادث وإن بلغت الغايةَ من الشدة أن تنال من العقائد نيلًا، وإنما تصيب الألسنة بالسكات إلى حين، وتبتلي الأقلامَ بالتحطيم إلى أوان، وإن الصحف في لسان العرف كالصحائف في لسان الدين، منها صحائف الأبرار، وصحائف الفجار، لذلك كان من حظ الأولى الابتلاءُ بالتعطيل والتعويق.
...

جريدة «البصائر» هي أحد الألسنة الأربعة الصامتة لجمعية العلماء، تلك الألسنة التي كانت تفيض بالحكمة الإلهية المستمدة من كلام الله وكلام رسوله، والتي كانت ترمي بالشرَر على المبطلين والمعطلين، وكانت كلما أغمد الظلمُ لسانًا منها سل الحق لسانًا لا ينثلم ولا ينبو، وتلك هي: السنة، والشريعة، والصراط، والبصائر: أسماءٌ ألهم القرآنُ استعمالها، وفصَّلت القرائح الملتهبة، والأقلام المسددة إجمالها، وصدق واقعُ العيان فالها، وما زالت جمعية العلماء تتلمح العواملَ الإلهيةَ في كل ما تأتي وما تذر، وتستند على الإلهامات الربانية حتى في أسماء صُحفها، ولا مكذبةَ فما أخطأها التوفيق ولا مرة.
وإذا كُتبَ للصُحف الثلاث الأولى أن تستشهدَ في المعترَك، وهي في ميعة الصبا، مقبلةً غيرَ مدبرة، لم تخِس بأمانة، ولم تُزَنّ بخيانة، فقد قدر "للبصائر" أن تعمر وأن تحتك بالزمن

الصفحة 42