كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

تريد الأمة فصلَ الدين عن الحكومة فصلًا حقيقيها واقعيًّا لا مواربة فيه ولا تعمية ولا تضليل، وأن تنفضَ الحكومة يدَها من الدين الإسلامي، وتبرئ ذمتها من أوقافه، فتسوّي مع ممثلي الأمة الذين تختارهم هي، لا الحكومة، مسألةَ الأوقاف، بالعدل والإنصاف، وتُسلم لهم المساجد تسليمًا مطلقًا، ليتصرفوا فيها تصرفًا مطلقًا، بحيث لا تتدخل لهم بعد الآن في تعيين إمام ولا غيره، ولا في ما يستحقونه من جراية ولا في تكوين جمعية دينية.
وأن تتركَ الحكومة هذه المناورات التي طالما رأيناها سابقًا، وما زلنا نراها، من التفاهم مع شخص في مسألة خطيرة كهذه، أو اختيار هيئة من دون استشارة الأمة ولا رضاها، وإن أقرب هذه المناورات الحركةُ القائمة في هذه الأيام لتأسيس جمعيات دينية من الموظفين الرسميين، والأشخاص الحكوميين، الذين لا تثق بهم الأمة، ولا تطمئن إليهم في دينها ولا في دنياها.
إن الأمة الإسلامية ترى أن المساجدَ والأوقافَ هما مسألة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، كالشخص وظله، وإن الأمة لا ترضَى أن تستلم مساجدَها فقيرةً عريانة، ولا ترضَى أن يتولى المفاوضةَ عنها شخص أو هيئة تختارها الحكومة، ولا جمعيات دينية تكوّنها الحكومة؛ وتعد ذلك كله من باب نزع الشيء من اليد اليمنى، ووضعه في اليسرى، وإن الأمة أصبحتْ يقظةً حذرة من هذه المناورات، متفطنة لمراميها، لا تؤخذ في دينها بالخدَع.
لا ترضى الأمة إلا بأن تختار هي الجمعيات الدينيةَ، بعيدةً عن المؤثرات الحكومية؛ وأن تنتخبَ تلك الجمعياتُ مجلسًا إسلاميًّا يتولى تسويةَ الأوقاف ويُولي وَيعزل، ويتصرف بعيدًا من المؤثرات الحكومية أيضًا، ولا يستمد قوّته إلا من المؤتمر السنوي للجمعيات الدينية.
إن الأمة أصبحتْ لا تثق بشيء مما تمسه يد الحكومة من كل ما له علاقة بالدين، ولا سببَ لسوء الظن بالحكومة، وارتفاع الثقة بها إلا الحكومة نفسها، بسياستها الدينية المضطربة وتدخلها في ما لا يعنيها من شؤون الدين، وإصرارها على العناد في الحق، وتحدّيها لشعور الأمة؛ باختيارها من الحلول أبعدَها عن رضا الأمة، وفي الأخير بفرضها على الأمة طائفةً لا تبالي بمصلحة الأمة، كأن الأمة بعلمائها وعقلائها ودهمائها كلها سفيهة، ولا رشيد إلا هذه الفئة من المرتزقة الانتفاعيين.
في السنة الماضية قرأت الأمة منشورَ الوالي العام المؤرخ بيوم 22 مارس سنة 1946 وفي أوله ما ترجمته بالحرف: "إن فصل الدين عن الدولة حسب القانون الذي نفذ على الجزائر سنتي 1905 و 1907 لم يمكن إلى يومنا هذا تطبيقه بدقة، وأهم سبب لهذا هو أن المسلمين أنفسهم تباطأوا في أمر الجمعيات الدينية التي نص على وجوبها القانون، فهم لم يؤسسوا في الكثير من الجهات جمعيات دينية، ولم يعملوا عملًا منظمًا في الجمعيات التي وقع تأسيسها، إلخ".

الصفحة 52