كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

قرأت الأمة هذا فعجبتْ كيف يتهَم المسلمون بأنهم السببُ في تأخر فصل الدين عن الحكومة مع أن ذلك القانونَ الذي ذكره المنشور قيّد في حينه بقيد من حديد، وهو قرار تفويض التصرف في المساجد إلى الوالي العام لمدة معينة، ثم ما زالت تتجدد.
وعجب المسلمون كيف يتهمون بالتراخي في تأسيس الجمعيات الدينية، وهم يرَوْن أن ما أسس منها بقيَ بلا عمل، حتى قتله الملل، لأن السيد "البريفي" (8) يولي ويعزل، ويتصرف بإرادته، بدون توقف على الجمعيات الدينية، فماذا تصنع هذه الجمعيات؛ إنها إذا أرادتْ أن تعملَ عملًا لا يرضي حاكمًا بسيطًا، خلق لها ضرّةً من جمعية أخرى، فإذا طالبتْ إحداهما بشيء قيلَ لها إنكما اثنتان فاتفقا، ومحالٌ أن تتفقا.
ثم قرأت الأمة في آخر المنشور أمرَ السلطات الحكومية بأن تدفع الناس إلى تأسيس الجمعيات الدينية، وأن يوقظوا الجمعيات النائمة، إلخ.
لماذا لم يوجهْ هذا الأمر إلى الأمة مباشرة، وتضمنُ لها الحريةُ التامةُ والأمان من تدخل الحكومة.
ثم قرأت الأمة صورةَ عقد رسمي وُزّع على جميع الإدارات ليُمضيه حاكم البلدة المسيحي ورئيس جمعيتها الدينية المسلم، وفيه العجب العجاب، من بواعث القلق والاضطراب.
ومنذ سنتين تقريبًا تأسست إدارة الإصلاحات، ولكنها إلى الآن لم تصلح شيئًا في دين ولا دنيا، وما زادت إلا أنها أقامت الدليلَ على أنها بنتُ إدارة الشؤون الأهلية، ورثتْ عن أمها كل خصائصها، ولم تخالفها إلا في الاسم.
وفي هذه السنة رأت الأمة أن أعوان الحكومة من أوربيين آمرين، وأهليين مؤتمرين، منهمكون جميعهم في تكوين جمعيات دينية في كثير من البلدان، فما معنى هذا؛ معناه واضح مكشوف عند الأمة وغايته معروفة.
لو جرى هذا وما أشبهه في مسألة من مسائل الدنيا، لفهمت الأمة أنه أسلوب من أساليب الحكومة الاستعمارية، تعذر فيه لأنها حكومة، ولكنه يجري في مسألة دينية، لا رأيَ فيها إلا لصاحب الحق وهو الأمة.
إن هذه الحيل أصبحت مكشوفة، وإنها شواهد على سوء النية، وإن الأمة أصبحت على بيّنة من هذه المهازل، فلا تنام عن حق ولا تسكت عنه، وإن الأمة الإسلامية الجزائرية لا ترضى ببقاء الحالة على ما هي عليه، ولا ترضى بشيء من هذه الحلول التي تدبر في الظلام، ولا يرضيها إلا فصل صريح، تعلنه الحكومة في وضوح، وتترك المجالَ الحر للأمة لتنظم جمعياتها وتؤلف مجلسها الديني بحرية، ثم تتقدم للمحاسبة والاستلام.
__________
8) البريفي: كلمة فرنسية معناها المحافظ- الوالي.

الصفحة 53