كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

هذا هو المنطق المعقول الحكيم الصائب المتزن، فليتمسك به النواب المسلمون، وليكونوا رجالًا، فإذا رضيت الحكومة (واستطاعت) ضمّ الدينين إلى حوزتها، ووضعتهما تحت تصرفها، كما ضمت الشركات المالية مثلًا، فإن الأمة الإسلامية من وراء النواب ترضى ببقاء مساجدها وأوقافها بيد الحكومة، ونحن نكسر الأقلام، ونكم الأفواه، ونحبس الألسنة، فلا نتحرك في هذه المسألة بحرف ولا نفس، لأن هذه الحالة الخاصة بنا إن كانت خيرًا فنحن لا نرضى أن نستأثر بها دون جيراننا المسيحيين واليهود، وإن كانت شرًّا فلماذا نختص بها وحدنا، ونحن نريد أن يشاركونا فيها حتى يخف ثقلها، ويهون وقعها، والمصيبة إذا عمت هانت، ومن معاني الديمقراطية الاشتراك في الخير والشر.
إن المسألة خطيرة، وإنها مسألة تهم تسعة ملايين من المسلمين، وإن النواب مسؤولون عنها عند الله، محاسبون عليها من الأمة، وإن حجة الأمة فيها أوضح من الشمس، وإننا سنشرحها للنواب حتى يكونوا على بصيرة، وحتى لا يغتروا بالآراء المسخرة من الطوائف المسحرة.
...

2 - لو كانت الحكومة الفرنسية صادقة في فصل الإسلام عن حكومة الجزائر، مجتهدة فيه غير مقلدة للإدارة الجزائرية، ولا متأثرة بأفكارها الاستعمارية الضيقة، لو كانت كذلك لتولت بنفسها ذلك الفصل قبل تقرير دستور الجزائر، ولنفذت الفصل بأصوله وفروعه، حتى يكون الدستور- كدساتير الأمم الديمقراطية- خالصًا للدنيويات التي يشترك فيها جميع الناس، خاليًا من الدينيات التي تخص الطوائف، وبذلك يكون دستورًا لأمة جزائرية منسجمة، حرة في أديانها مقيدة بدستور واحد في دنياها، ولكن الحكومة الفرنسية- في ما بلونا من أمرها- يدركها الغرق في تيار المستعمرين وأعوانهم من الحكام الإداريين كلما اعترضتها مشكلة من مشاكل الجزائر، فلا تسنّ إلّا ما يرضيهم وإن أغضبت الحق والإنسانية، وهدمت الجمهورية والديمقراطية ولا ندري أذلك كله دلال أم هيبة أم هما معًا؟
وفي فصل الدين عن الحكومة وإيكاله إلى أهله شرف عظيم للحكومات الديمقراطية، وأيُّ شرف أعظم لفرنسا- مثلًا- من أن يعلن رئيس جمهوريتها أو رئيس وزرائها- بموافقة برلمانها- أنها فصلت الإسلام بمساجده وأوقافه وقضائه عن حكومة الجزائر وتركته لأهله، يتصرفون فيه بحرية كما يتصرف إخوانهم في المغرب وتونس والهند والصين، فتفوز فرنسا وبرلمانها بالذكر الحسن والثناء الطيب في العالم الإسلامي أولًا، وفي العالم الديمقراطي ثانيًا، لأن التسلط على الأديان بالصورة التي في الجزائر ليس من الإسلام ولا من

الصفحة 84