كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

الحالة كانت على هذا في العهد التركي وهي على هذا في الأقطار الإسلامية، وهذا كله افتراء على الحقيقة وعلى التاريخ سنكشف أمره، ويستنتج التقرير من هذا أن المسألة كانت إدارية، ويجب أن تبقى إدارية، ويبدئ في هذا ويعيد، لأنه هو بيت القصيد ...
وهو يقبح الانتخاب (يعني انتخاب الجمعيات الدينية في تكوينها، وانتخابها هي للمجلس الإسلامي الأعلى الذي أجمع عليه كل المطالبين وأهل الرأي)، ويغالط في الأمر بأن انتخاب تسعة ملايين هو الفوضى بعينها، ويقدح في الجمعيات الدينية بأن وظيفتها الترميم والإصلاح والفرش، ويهوّل بأن الانتخاب مدخل من مداخل السياسة إلى المساجد. كما يقدح في الجمعيات والهيئات المطالبة بحقوق الأمة في دينها- بأن وراء كل واحدة منها حزبًا سياسيًّا يؤيدها، إلى غير ذلك مما سننقله عند المناقشة التفصيلية.
...

يا هذا أو يا هؤلاء، أعني البارز منكم والمستتر، إن الإسلام دين (ديمقراطي) سمح، وليس فيه نظام ... "أكليريكي" متسلط كبقية الأديان، وإنما هو دين روحي، تقوم بمصالحه المادية الخلافة إن كانت، فإن لم تكن فالحكومة القائمة، فإن لم توجد فجماعة المسلمين، وإن من تسمونهم رجال الدين، تعينهم- في غير الجزائر- الحكومات الإسلامية أو جماعة المسلمين، والحكومات الإسلامية وجماعة المسلمين لا تكيد لدينها بل تنصح وتسدد وتقارب، ولا تختار للوظائف الدينية إلّا أصحاب المؤهلات العلمية، المستكملين للشروط الدينية، لأن وراء الجميع رقيبًا عتيدًا من الدين، وأمام الكل حسابًا شديدًا يوم الدين، وأما "رجال الدين" عندنا فقد اختارتهم حكومة لائكية متسلطة، وما اختارتهم إلّا بعد أن ارتضتهم ووزنتهم بميزانها لا بميزان الإسلام، وراعت فيهم شروطها لا شروط الإسلام، وما رأيناها تحفل في هذه الوظائف بالعلم، ولا بالكفاية الدينية، وإنما تحفل بشيء واحد هو ما يشهد به "الدوسي"، وما عهدنا موظفًا من هؤلاء جاءته الوظيفة وهو في داره من غير أن يسعى لها سعيها، بل ما وصلت الحكومة حبلهم بحبالها إلّا بعد أن اتخذوا لها الأسباب، وطافوا بالأبواب، وما زلنا نقول: إن الحكومة تحتفظ بهذه الوظائف الدينية لأصحاب الخصائص المطلوبة لها، وإنها في حقيقتها مصائد لا وظائف، وإنها لا تدفع لهم الأجور على الصلاة والأذان والفتيا فسواء عندها أصلّى المسلمون أم لم يصلوا، إنما تدفعها لغايات ومقاصد يجمعها قولك: "القيد والصيد" ومحال على الحكومة أن تُطعم ثمرها من يعصي أمرها، وقد قرأنا في محاضر المجلس المالي القديم أسماء عجيبة لأجور هذا النوع من الموظفين.

الصفحة 89