كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 3)

الإسلامي، لا يستنزل عنها برقى الخطب والمواعيد، ولا يبغي عنها حولًا، ولا بها بديلًا.
وإن الشعب الجزائري لا ينتفع بنتائج شيء لا رأي له في مقدماته، وإن الدستور الجزائري على نقصه واختلاله لم يكن للأمة فيه رأي، فكيف يجني منه ثمرة؟ أو ينتفع منه بنتيجة؟ وإن المجلس الذي انبثق منه ناقص بنقصه، مختل باختلاله، وقد جالت الأيدي في تكوينه، فجاء كالمولود سقطًا، ليس فيه شيء من خصائص الحياة، فكيف ترجى منه الحياة؟
وإن الشعب الجزائري مريض متطلع للشفاء وجاهل متوثب إلى العلم، وبائس متشوق للنعيم، ومنهوك من الظلم، مستشرف إلى العدالة، ومستعبد ينشد الحرية ومهضوم الحق يطلب حقه في الحياة، وديمقراطي الفطرة والدين، يحن إلى الديمقراطية الطبيعية، لا الصناعية؛ ولكنه ليس كما يقال عنه: جائع يطلب الخبز، فإن وجده سكت.

أيها الرئيس:
إن حكومات الجزائر تعاقبت في ألوان من المذاهب، ولكن الشعب الجزائري لم ينل على يدها خيرًا، ولم يصل إلى قليل ولا كثير من حقه المهضوم، لا في دينه ولا في دنياه، وإنما هي مظاهر تتبدل بلا فائدة، وسطحيات تغير بلا جدوى، وأسماء بلا معان، والحقيقة هي هي!! ...
وان هذه الحكومات المتعاقبة تجري- من يوم كانت- على أسلوب من شر أساليب الاستعمار وأقبحها، فهي تتخذ الدين الإسلامي آلة لخدمة السياسة، ولذلك تتمسك هذا التمسك بمساجده وأسبابه، وهي تجعل السياسة آلة لهدم الدين الإسلامي، وهي تحارب اللغة العربية والتعليم العربي لتجعل من ذلك وسيلة إلى محو الجنسية العربية، وهي تسد أبواب العلم في وجوه المتعلمين بوسائل شتى ليبقى الشعب أميًّا جاهلًا، فينسى نفسه وتاريخه، ويقنع بأخس الحظوظ في الحياة، وإن بقاء نحو من مليونين من أبناء الشعب محرومين من التعليم بجميع أنواعه لأصدق دليل على ذلك.
إن حكومة توسع السجون، وتضيق المدارس، حكومة سيئة الظن بنفسها قبل أن تكون سيئة الظن بالشعب.

أيها الرئيس:
ظهرت في عهد هذه الجمهورية الرابعة نغمة جديدة أنكرناها وكفرنا بها لأنها لا تنسجم مع ماضينا، ولا تتناسق مع حالنا ولا مستقبلنا، وانتقدها الرأي العام العالمي العاقل اليقظ المنطقي لأنها ناشزة عن قرارها، مخالفة للواقع المحسوس؛ هذه النغمة هي نغمة "الوحدة الفرنسية". ولا يشك عاقل في أن كلمة الوحدة هذه مقطوعة الصلة من معناها، وكأن

الصفحة 93