كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

منزل شوقي (كرمة ابن هانئ) وقرأ على الشاعر جملة من أشعاره التي وصلت إلى الجزائر، وطالما كان الإبراهيمي يحدثني عن قيمة شعر شوقي ويرويه ويضعه في مصاف أعاظم الشعراء.
وأعرف شخصيًّا مدى المودة التي كانت تربط بين الشيخ الإبراهيمي وكامل كيلاني الذي كنت أراه يتردد على مركز جمعية العلماء بالقاهرة حيث مكتب الإبراهيمي وغرفة نومه. ولكني لم أكن أعرف أن الشيخ قد كتب منوهًا بمجموعة من كتب كيلاني، حتى اطلعت على مقالته في هذه الآثار. ويتصل بذلك رسائله إلى كل من المشائخ أي الأعلى المودودي وعبد الله كنون.
أما رسائله إلى مفتي المملكة العريية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وإلى رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بها، الشيخ عمر بن حسن. وإلى الرئيسين عبد الناصر وشكري القوتلي، فموضوعها مختلف. فالرسائل الأولى تتعلق بالثورة الجزائرية ودور رجال الدين في المملكة وحثهم على دعوة أهل البلاد للتبرع بالمال للثورة كما تقتضيه الأصول الإسلامية والأخوة العربية. وهي رسائل جمعت بين لغة الإبراهيمي البيانية وثقافته الدينية العميقة ومهارته الدبلوماسية أيضا. ويكفي أن نعرف أن هذه الرسائل قد حملها وفد جزائري رسمي كان متوجهًا إلى السعودية. وفي رسالته إلى الرئيسين، ناصر والقوتلي، تهنئة لهما بوحدة مصر وسورية وميلاد الجمهورية العربية المتحدة، وتحذير من المتخاذلين والمثبطين. وقد عشنا معًا هذا الحدث التاريخي، ولكني كنت في أمريكا عندما انهارت تلك الوحدة، فلم أدر كيف كان شعور الشيخ الإبراهيمي عندئذٍ. ولا شكّ أنه قد أصيب بالحسرة والأسى أيضًا، غير أن عزاءه كان في ثورة الجزائر فهي التي كانت تبشر بمستقبل عربي زاهر.
وتكشف هذه الآثار أيضًا عن زيارة الشيخ الإبراهيمي إلى الشاعر حافظ إبراهيم سنة 1911، وبعض التفاصيل عن خط سفره من القاهرة إلى الحجاز (بور سعيد، حيفا، تبوك، المدينة المنورة)، وعن دروسه في الأزهر وغيره ثلاثة أشهر على: يوسف الدجوي، والحسين عبد الغي محمود، ونجيب شيخ الرواق العباسي، وسعيد الموجي. وقد ذكر الشيخ الإبراهيمي أن ابن باديس قد تلقاه في تونس سنة 1920 أثناء رجوعه من الشام، وهي معلومة جديدة تدل على التواصل بين الشيخين منذ لقائهما في المدينة المنورة سنة 1913. كما تدل على أن ابن باديس لم يقطع صلته بتونس، فلعله كان يذهب إليها من حين إلى آخر، حتى قبل أن تثير الصحف الاستعمارية الضجة حول زيارته لها خلال الثلاثينات عند ما جاء للترحيب بعودة صديقه عبد العزيز الثعالبي، 1937. وفي إجازة الشيخ الإبراهيمي لمحمد الفاسي لقطة قديمة- جديدة في آنٍ واحد. وهذه الإجازة هي من آخر ما كتب الشيخ (1964) إذ كان عندها على فراش المرض. وهي لا تضيف جديدًا لأسانيد الإبراهيمي العلمية التي نعرفها، ولكن الرجوع إلى أسلوب الإجازات الذي طالما انتقد الإبراهيمي القدماء على تساهلهم فيها أمر يلفت النظر أيضًا.

الصفحة 15