كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)
عند ذلك انتقل الإمام إلى مرحلة جديدة وهي بداية "تدويل القضية الجزائرية"، فسافر إلى باريس مبشرًا ونذيرًا: التقى الإمام وفود الدول العربية والإسلامية إلى مؤتمر الأمم المتحدة، فحياها "باسم الجزائر العربية المسلمة المجاهدة"، وبشر تلك الوفود بقوله: "إن الجزائر ستقوم قريبًا بما يدهشكم من تضحيات وبطولات في سبيل نيل استقلالها، وإبراز شخصيتها العربية الإسلامية" (11)، وأنذر فرنسا بأن مرحلة الكلام قد انتهت و"أن بعد اللسان لَخَطيبًا صامتًا هو السنان، وإننا لرجال، وإننا لأبناء رجال، وإننا لأحفاد رجال ... وإن فينا لقطرات من دماء أولئك الجدود، وإن فينا لبقايا مدخرة سيُجَلِّيها الله إلى حين" (12).
ثم سافر الإمام إلى المشرق، ليهيئ شعوبه وحكوماته ودوله لمساعدة الجزائر، وقد نجح الإمام نجاحًا كبيرًا في هذه المهمة، دل على هذا النجاح سرعة تجاوب الدول العربية شعوبًا وحكومات مع الشعب الجزائري، واحتضان جهاده، وإمداده بمختلف أنواع المساعدات المالية والعسكرية والدبلوماسية، حيث تكفلت المملكة العربية السعودية بعرض قضية الجزائر في هيئة الأمم المتحدة (13)، وذلك في شهر ديسمبر سنة 1954.
وأخذت الصيحة- في أول نوفمبر 1954 - الذين ظلموا، حين أعلن الشعب الجزائري جهاده، فعَقَدت الدهشة ألسِنَة بعض السياسيين الجزائريين، وانطلقت ألْسِنَة "التقدميين" تندد "بالإرهاب"، وتشجب "العنف"، ولكن شخصية واحدة كانت يقظة مع خيوط فجر ذلك اليوم، وعرفت أن الفجر صادق، وأن المؤذن حقيقي، فاستجابت للنداء. إنها شخصية الإمام محمد البشير الإبراهيمي.
إن أول مؤيد للجهاد الجزائري هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي، فقد أصدر مكتب جمعية العلماء بالقاهرة يوم 2 نوفمبر 1954 بيانًا (14)، حَمَل فيه على فرنسا، وحمَّلَها عاقبة ما ارتكبته في الجزائر، وأكَّد لها أننا "سنكون سبب موتها"، ثم ذكَّر حكومات المشرق العربي بواجبها في "إمداد وتشجيع" هذه الحركات المتأججة في المغرب العربي.
ثم أكّد ذلك البيان ببيان آخر يوم 3 نوفمبر 1954، حَيَّى فيه الثائرين الأبطال الذين سفَّهوا زعْمَ فرنسا أن الجزائر راضية بها مطمئنة إليها، والذين شدوا عضد إخوانهم في تونس
__________
11) محمد فاضل الجمالي: الشيخ البشير الإبراهيمي كما عرفته، مجلة الثقافة، عدد 87، الجزائر مايو - يونيو 1985، [ص:123].
12) انظر "خطاب أمام الوفود العربية والإسلامية في الأمم المتحدة" في الجزء الثاني من هذه الآثار.
13) مولود قاسم نايت بلقاسم: ردود الفعل الأولية داخلًا وخارجًا على غرة نوفمبر، قسنطينة، دار البعث، 1984، [ص:203].
14) انظر مقال: "مبادئ الثورة في الجزائر: بيان مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة" في هذا الجزء من الآثار.
الصفحة 20
416