كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)
والمغرب، والذين وصَلُوا حلقات الجهاد الذي هو طبيعة ذاتية في الجزائري، ثم ذكَّرهم بجرائم فرنسا في حق دينهم ودنياهم، وأنه ليس أمامنا إلّا "بقاء كريم أو فناء شريف" (15).
ثُمَّ عزَّز الإمام ذانيك البيانين بثالث وجَّهه إلى الشعب الجزائري المجاهد، حياه فيه، وذكَّره بغدر فرنسا، وأياديه البيضاء عليها، ونكرانها لجميله، "فلم تُبْقِ لكم دينًا ولا دنيا". وحذَّر فيه الجزائريين من النكوص والتراجع، وأكَّد لهم أن فرنسا "تنظر إليكم مسالمين أو ثائرين نظرة واحدة، وهي أنها عدو لكم، وأنكم عدٌّ لها، ووالله لو سألتموها ألف سنة لما تغيرت نظريتها العدائية لكم، وهي بذلك مصممة على محوكم ومحو دينكم وعروبتكم وجميع مقوماتكم". ثم يدعوهم جميعًا "إلى الكفاح المسلح ... فهو الذي يسقط علينا الواجب، ويدفع عنا وعن ديننا العار" (16).
لقد كانت هذه البيانات الصادرة كلها في العَشْر الأوائل من نوفمبر 1934، عن أهم شخصية دينية وسياسية جزائرية- من غير أن يطلب منه طالب، أو يضغط عليه ضاغط- كانت تلك البيانات ضربة قاضية على كل مناورة يمكن أن تلجأ إليها فرنسا في حال سكوته.
كما قدَّمت تلك البيانات دعمًا قويًا للمجاهدين، ونفخت في الثورة روحًا وهي في أوهن مراحلها، حيث أخرجت الشعب الجزائري من التردد والحيرة اللذين كان يمكن أن يُصَابَ بهما، لجهله بمصدر الثورة، وتوجُّهِها، فبيانات الإمام الإبراهيمي شهادة للشعب الجزائري على شرعية المولود- الثورة- وصحته ...
وكما أدّت هذه البيانات دورًا هامًا في تقبل الشعب بسرعة للثورة، كانت بمثابة جواز مرور للمسؤولين عنها- الثورة- إلى قادة جل الدول العربية والإسلامية، الذين لم يكونوا يعرفون مسؤولًا واحدًا من مسؤولي الثورة، وزاد من تقبل قادة تلك الدول للثورة ومسؤوليها طلب الإمام الإبراهيمي من شيخ الجامع الأزهر يوم 12 نوفمبر 1954 أن يدعوَ المسلمين إلى الجهاد ضد فرنسا (17)، الأمر الذي جعل الضابط الفرنسي سِرْفْييِ، المتخصص في علم الاجتماع، يكتب في جريدة لُومُوند ( Le Monde) " ان جمعية العلماء هي المسؤولة عن هذه الحوادث" (18). ولا شك أن هذا الضابط يعلم أن الجمعية ليست هي التي أطلقت
__________
15) انظر مقال: "إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر والمغرب" في هذا الجزء من الآثار.
16) انظر مقال: "نداء إلى الشعب الجزائري المجاهد" في هذا الجزء من الآثار.
17) Jacques Carret: l'Association des Oulamas d'Algérie. (S.E.) (S.D.), p. 27 والمعلوم أن جاك كاري من ضباط الاستخبارات الفرنسية.
18) مولود قاصم نايت بلقاصم: مرجع سابق، [ص:67].
الصفحة 21
416