كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

الرصاصات، ولكنها هي التي حررت عقول من أطلقوا تلك الرصاصات وأنفسهم، "فثورة الفاتح من نوفمبر كانت ترجمة عملية لفكرة العلماء العربية الإسلامية" (19)، حيث "لم تنجح حركة سلفية في بلد عربي أو إسلامي وتأخذ طريقها إلى الحياة العملية لتكون أساس النضال كما نجحت في الجزائر" (20).
لقد أزعجت هذه البيانات الذين في صدورهم مرض، وفي قلولهم غل لجمعية العلماء ولرئيسها الإمام محمد البشير الإبراهيمي، لأنهم كانوا يتمنون أن لا تؤيد الجمعية جهادَ شعبٍ علمته معنى الجهاد، ووجوبه، أو أن يتأخر تأييدها، فيصبح لا قيمة له، كإيمان فرعون الذي لم يعلنه إلّا بعد أن أدركه الغرق، فرُدَّ عليه.
لذلك، فإن بعض من كتبوا عن ثورة الشعب الجزائري أهملوا الإشارة إلى هذه البيانات وموقف الإمام محمد البشير الإبراهيمي من جهاد شعبه، ومنهم من أشار إلى تلك البيانات وإلى ذلك الموقف على استحياء، ومنهم من فرّق بين موقف الإمام الإبراهيمي وبياناته وبين موقف الجمعية، فقالوا إن هذه البيانات تعبير عن موقف شخصي للإمام الإبراهيمي الذي كان بالقاهرة، وبالتالي فهي لا تعبر عن موقف الجمعية.
ولنسأل هؤلاء الجناة على الحقيقية التاريخية: إذا كان الإمام يتكلم باسمه الشخصي، ولس باسم جمعية العلماء، فلماذا يوقع تلك البيانات بصفته رئيس جمعية العلماء؟ ولماذا يصر على ذكر مصدر تلك البيانات، وهو مكتب جمعية العلماء بالقاهرة؟
ولنسألهم مرة أخرى: لو لم تكن تلك البيانات باسم جمعية العلماء، فلماذا سكت عنها هؤلاء العلماء؟ ولماذا لم يستنكروها؟ أو يتبرأوا منها؟ أو يشجبوا موقف الإمام؟
إن الحقيقة التي يؤمن بها هؤلاء المزوِّرُون للتاريخ، وتستيقنها أنفسهم، ولا تنطلق بها ألسنتهم ولا تسطرها أقْلامُهُم، هي أنه كَبُر عليهم أن تُغَبِّر الجمعية ورئيسها في وجوههم، وتحوز الجمعية ورئيسها بالسَّبْق تفضيلًا، فتحتضن جهاد الشعب الجزائري، وتتركهم في ضلال مبين، رغم ادعائهم التحليل العميق والتنبؤ الدقيق.
لقد كان في إمكان الإمام الإبراهيمي أن يلتزم الصمت وينتظر تطور الأوضاع كما فعل بعض السياسيين المحترفين، أو أن يندد "بالإرهاب" ويستنكر "العنف " كما فعل الشيوعيون،
__________
19) د. نبيل أحمد بلاسي: الاتجاه العربي والإسلامي ودوره في تحرير الجزائر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995، [ص:128].
20) محمد المبارك: جمعية العلماء ومكانها في تاريخ الجزائر الحديث، مجلة حضارة الإسلام، العدد 2، السنة 6، دمشق، آب 1965.

الصفحة 22