كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

أنني راوية شوقي بالمعنى الذي كان يعرفه أسلافنا في الراوية، ولقد حفظت الشوقيات القديمة قبل هجرتي الأولى إلى الشرق سنة 1911 ميلادية.
ثم أحفظ من شعر شوقي ما جدَّ بعد طبع الشوقيات الأولى، واستوعبت شعره في منفاه بالأندلس حفظًا لأول ظهوره في الصحف أو في أجزاء ديوانه بعدما طبعت.
وما كادت تلوح النهضة الأدبية في الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى، ويُكْتَب لي أن أكون أحد قادتها حتى كنت أول الداعين دعوة جهيرة إلى الائتمام بشوقي وإلى احتذاء طريقته والسير على نهجه في الأدب العربي، وأول الدّالّين على روائع شعره. ولما جدَّ جدُّ تلك النهضة وتعددت المدارس العربية على يد جمعية العلماء الجزائريين، وقُدِّر لي أن أكون المشرف على توجيهها مكَّنْتُ لشعر شوقي في نفوس الآلاف من الناشئة الجزائرِية، فأنْبَتَتْ تلك النهضة من أولها على أدب شوقي وشعره، وفهمته ناشئتنا على وجهه لِحِكمه وأمثاله ولحسن تصويره ودقة وصفه، ولسهولة مدخله على النفوس، وإن آلافًا عديدة ممن ارتقوا ولو قليلًا في سُلَّم الأدب ليحفظون من غرر شعر شوقي وسوائر أمثاله ما يُجَمِّلُون به كتاباتهم وخطبهم ومجالسهم للمذاكرة، وإن كثيرًا من الشعراء الذين أنجبتهم النهضة الجزائرية ليترسّمون خطى شوقي ويسيرون على هداه، وتلوح عليهم مخايله وسماته.
وأول ما حبّب شوقي إلى نفوس ناشئتنا- على طراوة عودهم- هو ما يفيض به شعره من تمجيد للإسلام وبيان لآثاره في النفوس وتغنّ بمآثره وأمجاده وافتتان في مُثُله العليا التي قاد بها أتباعه إلى مواطن العزة والسيادة. ولا عجب، فناشئتنا نشأت على الفطرة الإسلامية النقية، وشعر شوقي أبلغ معبّر على تلك المعاني العالية، ونَهْجٌ شارع إلى سبل التأسي والاقتداء.
ولقد كان موت شوقي صدمة قوية للأندية الأدبية الناشئة بالجزائر التي كانت تأتَمُّ بشوقي وتسير على هديه وشعاعه مما ظهر أثره في قصيدة الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة التي رثى بها الشاعرين حافظًا وشوقي، حيث يقول:
دولة الشعر من الشرق انقضت … وانقضى فيها مراء الأمراء

أيها الإخوان:
إن الجزائر الفتية مدينة بجميع فروع نهضتها بل في أصول ثورتها لشوقي، فكم حَدَوْنا الشباب بشعره المطرب القوي، ووجَّهنا ذلك الشعر إلى مكامن الإحساس من نفوسهم، فكان ذلك أحد الأسباب فى ثورته الخالدة التي أقضت مضاجع الفرنسيين وأتت بخوارق العادات من الشعب الجزائري.

الصفحة 228