كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

فاجتماعكم هذا في أسمى معانيه، وأعلى خصائصه هو صلة برحم الإسلام والعروبة، اللذين هما أعز ما يعتز به إخوانكم الجزائريون، ويرفعون به رؤوسهم التي أبت أن تنحني للظالم العاتي، كلما أرادهم على التنكر للإسلام، وتحريف الضاد عن مخرجها في لهواتهم، واجتماعكم هذا مدَد من الأمداد المدخرة لكم في حين حاجتكم إليه- لتذكروا إخوانكم المجاهدين، وتذكروا ما طوّقوكم به من منن- والتفاف منكم حول قضية من قضاياكم، بل هي أصل قضاياكم مع الاستعمار، بل هي أعقد قضاياكم معه.

أيها الإخوة: إن لإخوانكم الجزائريين عليكم حقوقًا أدناها أنهم يشركونكم في الدم والجنس وخصائصهما الموروثة، وأعلاها أنهم قائمون عنكم- ولا منّة- بواجب عظيم متكفلون لكم بحل عُقْدةِ العقد مع ألأم استعمار عرفه التاريخ، وبتصفية الحساب عنكم مع أعدى عدو للشرق عامة وللعرب خاصة، فإذا صرعوه- وهو ما نعتقده كرأي العين- فالشرف لكم جميعًا، والراحة الأبدية من دائه العضال تشملكم جميعًا، وإذا جرى القدر بضد ذلك فحسبهم شرفًا أنهم ماتوا في سبيل الشرف، واستبرأوا لدينهم وأمانتهم، وأتوا بها غراء مشهّرة في تاريخ العروبة، ونشروا عليكم صحائف من سيرة السلف تجدد لكم بهم العهود، وخطوها صحائف نادرة من الشجاعة العربية، وضربوها أمثالًا شوارد من البطولة العربية، وشرحوا لكم معنى الحفاظ والذياد وحماية الحقوق، بعد أن كانت تلك الألفاظ، التي تغنى بها شعراء العرب، لا تحمل إلّا صورًا ذهنية لا تثير ولا تخز، ولا تحرك ولا تهز، وسيرى التاريخ هؤلاء البررة ويسجل مواقفهم المشرفة، ولا يَتِرُهُم منها شيئًا، وسيعرض حججه واضحة فإما لكم وإما عليكم.

أيها الإخوة: إن ثورة أربع سنوات لا ندري ماذا خبأ لها القدر المحجوب من نهاية، من شعب لا يملك شيئًا من أسباب القوّة وسلاح العصر، مفصول من بني أبيه بفواصل وضعها عدوه عن قصد في غفلة منكم جميعًا، معزول عن معاقل أوليائه وأنصاره، إن ثورة مثل هذه لحقيقة- إن امتد بها الزمن- بأن تثقل ظهور إخوانكم، وقد ترمي حركتهم بالكلال إلّا أن يرحم الله، وتصدقوه في الإمداد بكل ما تستطيعون أفرادًا وجماعات.
إن أسوأ ما نسمعه في هذا الشرق بقسميه الإسلامي والعربي الإطراء بإطناب، والمبالغة في الإعجاب، والدعاء غير المستجاب: الإطراء للمجاهدين الجزائريين، والإطراء لا ينكي عدوًا، ولا يضمن رواحًا للنصر ولا غدوًا، والإعجاب بموقف الجزائريين الثابتين في الزعازع، والإعجاب لا يردّ غارة، ولا يحطم طيارة ولا يولد عقيمًا، ولا يبرىء سقيمًا، والدعاء من غير تعاون على الأسباب، كالتوكل كلاهما سخرية بالله وبعباد الله، فلتعلموا أن الدعاء المشروع والتوكل المشروع إنما يأتي في عالم الأسباب بعد عقل الناقة، وبذل الطاقة.

الصفحة 231