كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

وراء ما يعتقد أنه طبقًا لعقيدته الإسلامية، ومن هنا كانت استجابته لتوجيه العلماء. (و) يلعب هؤلاء العلماء دورًا كبيرًا في إشعال الروح الدينية لدى الشعب، وفي دفعه من الناحية الدينية إلى الثورة ضد المستعمرين" (23).
ولم يمض إلّا ثلاثة أشهر منذ إعلان الجهاد حتى تداعى أبناء الجزائر المقيمون في القاهرة، وفي مقدمتهم الإمام الإبراهيمي، وحرَّروا ميثاقًا، وأسسوا تنظيمًا سُمِّيَ "جبهة تحرير الجزائر"، "لخدمة الجزائر، والكفاح في سبيل تحريرها واستقلالها، مساندين بذلك جيش التحرير".
إن أثر الإمام الإبراهيمي في ذلك الميثاق ليظهر جليًا، وإن حقيقة الجزائر لتبرز فيه بروزًا قويًا، حيث وُصِفتْ بـ "العربية المسلمة"، ونصَّ البند الرابع على أن "الجزائر عربية الجنس، مسلمة العقيدة، فهي بالإسلام والعروبة كانت، وعلى الإسلام والعروبة تعيش" (26)، وإن المرء ليتساءل عن تغييب هذا الميثاق عن أدبيات الثورة الجزائرية ووثائقها ونصوصها.
وراح الإمام الإبراهيمي- وقد أنقضت السنون ظهره، وأوهنت السبعون عظمه- يتنقل بين البلدان العربية ليحث مسؤوليها على تقديم المساعدات للجهاد الجزائري، ويدعوهم إلى الضغط على فرنسا، ويطالبهم بمقاطعتها اقتصاديًا، ومن هذا القبيل ما شهد به أحد المسؤولين العرب آنذاك، حيث قال: "كان- الإبراهيمي- يلتقي بصاحب العرش وولي العهد، كما كان يلتقي برئيس الوزراء ووزير الخارجية، حاثا إياهم على نصرة الجزائر سياسيًا وعسكريًا وماديًا" (27)، و"لا شك في أن للشيخ البشير تأثيره الأكبر على الوفد العراقي- في الأمم المتحدة- في اندفاعه دفاعًا عن الجزائر" (28)، كما "كانت له جهود موجهة إلى رجال الفكر القومي والصحافة وعلماء الدين .. يذكي فيهم الحماس والغيرة دفاعًا عن الجزائر" (29)، "ففي كل الأحوال كان الشيخ البشير- رحمه الله- محفزًا للحكومة العراقية ومتتبعًا ما يجري في العراق من أجل الجزائر المجاهدة" (30). وقد سجَّل الشعراء بعض نشاط الإمام الإبراهيمي الذي لم تقعده الأمراض والسن عن السعي الحثيث لحشد التأييد الشعبي والرسمي لقضية وطنه، ومن ذلك ما جاء في "ملحمة العروبة" للشاعر العراقي مصطفى نعمان البدري:
__________
25) باول شميتز: الإسلام قوّة الغد العالمية، تعريب محمد شامة، القاهرة، مكتبة وهبة، 1974، [ص:145]
26) انظر مقال: "ميثاق جبهة تحرير الجزائر" في هذا الجزء من الآثار.
27) محمد فاضل الجمالي: الشيخ البشير الإبراهيمي كما عرفته، مجلة الثقافة عدد 87، الجزائر مايو- يونيو 1985، [ص:124 - 126].
28) المرجع نفسه.
29) المرجع نفسه.
30) المرجع نفسه.

الصفحة 24