كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

فإذا "البشير" يجوب آفاق البلاد بقلب كابر
ويحاضر العربان في تاريخ أمجاد غوابر
ويحشِّد الرأي العميم لنصرة البلد المصابر
فيمد فيهم نخوة الشجعان تثأر للعوائر (31)
وكان الإمام الإبراهيمي- عندما لا تسمح له ظروفه الصحية أو التزاماته بالتنقل- يزوِّدُ مبعوثي الثورة إلى بعض البلدان العربية برسائل إلى علمائها من ذوي التأثير المعنوي والكلمة المسموعة، ليسهِّلوا لدى سلطات بلدانهم مهمة أولئك المبعوثين (32) ..
وقد بلغ اندفاع الإمام الإبراهيمي في الدعوة إلى مساندة وطنه، والعمل على دعم جهاده إلى درجة قد يعتبرها بعض الناس تجاوزًا للحدود، وعدم مراعاة اللِّيَاقاتِ، حيث بعث برقية إلى الملك سعود يقترح عليه تكليف الأستاذين أحمد الشقيري وعبد الرحمن عزام، أو أحدهما "بالاستعداد لمتابعة قضايا الجزائر والدفاع عنها" (33).
وقد قدَّم الإمام الإبراهيمي للثورة الجزائرية خدمات كبيرة في الميدان الإعلامي بأحاديثه التي ألقاها في الإذاعات العربية، وخاصة في إذاعة "صوت العرب" سنة 1955، حيث لم يكن للثورة آنذاك جهاز إعلامي منظم، فكان لتلك الأحاديث دورها الكبير في تحسيس الشعوب العربية بالقضية الجزائرية، والمسارعة إلى دعمها، كما كان لها تأثير بالغ على الجزائريين للالتفات حول الثورة، وتأييدهم لها، ومساعدة أُسَر المجاهدين والشهداء.
وقد استغل الإمام الإبراهيمي حدثًا سياسيًا هامًا، هو انعقاد المؤتمر الإفريقي- الآسيوي بباندونغ في شهر مايو 1955، فوجه رسالة صوتية إلى الدول الإسلامية المشاركة فيه، وعددها أربع عشرة دولة، وهي رسالة تتماشى مع ما أشرنا إليه في السياق التاريخي للجزء الرابع من هذه الآثار، وهو سعيه إلى إحياء فكرة الجامعة الإسلامية، وإخراجها من مرحلة الآمال إلى مرحلة الأعمال.
لقد ذكَّر الإمام تلك الدول بما يجب أن يُذَكِّر به عالِمٌ مسلم حر، وعرَّف بما يجب أن يعرفه المسؤولون المسلمون، ودَلَّهم على ما تمتلكه الأمة الإسلامية من أنواع القُوَى،
__________
31) عثمان سعدي: الثورة الجزائرية في الشعر العراقي، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985، ج2، [ص:403].
32) انظر رسالتيه إلى الشيخ محمد بن إبراهيمي آل الشيخ وإلى الشيخ عمر بن حسن في هذا الجزء من الآثار.
33) انظر الرسالة في هذا الجزء من الآثار، وقد عيّن الملك سعود الأستاذ أحمد الشقيري مندوبًا للسعودية في الأمم المتحدة، وألقى خطبًا رائعة في الدفاع عن القضية الجزائرية، وقد جُمِعت تلك الخطب ونشرتها دار العودة ببيروت تحت عنوان: "قصة الثورة الجزائرية".

الصفحة 25