كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

ونبَّهَهُم إلى حسن استغلال تلك القُوَى لتحقيق أهداف أمتهم البعيدة والقريبة، ومنها تحرير فلسطين- قلب العالم الإسلامي- والمغرب العربي- الجناح الغربي للأمة الإسلامية (34).
إن الإمام الإبراهيمي عندما يخاطب المسؤولين ويستنصرهم، ويستعديهم على الاستعمار لا يفعل ذلك انطلاقًا من اعتبارات سياسية أو مصلحية فقط، ولكنه يستند إلى مبادئ الإسلام وأصول الدين التي تفرض عداوة الظالم، وتوجب مقاومته بجميع أنواع القوى، وتحرِّم موالاة ذلك الظالم، لأن تلك الموالاة في حقيقتها "خروج عن الإسلام"، ولا يشفع لأولئك الموالين أعذار يعتذرون بها، أو معاذير يلقونها فـ "الموازين الإسلامية دقيقة تزن كل شيء من ذلك- المداراة، وطلب المصلحة- بقدره، وبقدر الضرورة الداعية إليه، وأظهر ما تكون تلك الضرورات في الأفراد لا في الجماعات ولا في الحكومات" (35).
وهناك ميدان آخر ملأه الإمام الإبراهيمي باسم الجزائر، وكان فيه فارس المنابر، إنه ميدان المؤتمرات الأدبية، والمنتديات الفكرية، واللقاءات العلمية، ولولا الإمام الإبراهيمي لما علا للجزائر في ذلك الميدان صوت ولما ذُكِر لها اسم، مثل المؤتمر الثالث للأدباء العرب، ومؤتمر التعريب بالرباط، وندوة الأصفياء، وقد كان الإمام في تلك المؤتمرات والندوات واللقاءات أحرص على استقلال الأمة العربية أدبيًا وفكريًا ولغويًا من حرصه على الجوانب السياسية والاقتصادية التي لا تبرز- بما فيه الكفاية- خصائص الأمم ومميزات الشعوب؛ وإنما الذي يبرز تلك الخصائص ويجليها هو آدابها وأفكارها ولغاتها، "فيجب أن يظل أدبنا عربيًا في أصوله وقواعده، لا شرقيًا ولا غربيًا، يجب أن يظل أدبنا عربيًا يستمد شخصيته وأهدافه من حاجاتنا الواقعية لا المفتعلة ولا المزيفة" (36)، ولذلك ينذر ويحذر من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة التي تصيبنا من مخلفات الاستعمار الفكرية واللغوية في بلداننا المغاربية "التجارب تدل على أنها ستبقى فينا بقية غير صالحة تحمل أَلْسِنَة تَحِنُّ إلى اللغة الفرنسية، وتختار مخرج الغين الباريسية (37) على مخرج الراء العدنانية، وأفئدة "هواء" تحن إلى فنون فرنسا وفتونها، وعقول جوفاء تحن إلى التفكير على النمط الفرنسي، ونفوس صغيرة
__________
34) تجدر المقارنة هنا بين فكرة الإمام الإبراهيمي الداعية إلى تكتل إسلامي إفريقي- آسيوي، على أساس ديني بالدرجة الأولى، وبين فكرة الأستاذ مالك بن نبي الداعية إلى تكتّل إفريقي- آسيوي، يعتمد على المصالح السياسية والاقتصادية، وقد تراجع الأستاذ مالك بن نبي- فيما بعد- عن فكرته، لما فيها من مثالية، وتبنى فكرة الإمام الإبراهيمي الأكثر واقعية- وإن لم يصرح بذلك- حيث كتب رسالته "فكرة كُومَنْوِلث إسلامي". انظر رسالة الإمام الإبراهيمي في هذا الجزء من الآثار وعنوانها "دور الدول الإسلامية في المؤتمر الآسيوي- الإفريقي".
35) انظر مقال: "موالاة المستعمر خروج عن الإسلام" في هذا الجزء من الآثار.
36) انظر مقال: "حرية الأديب وحمايتها" في هذا الجزء من الآثار.
37) ينطق الباريسيون الراء غينًا.

الصفحة 26