كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

أيها الإخوة الأعزّة، أيها الأبناء البررة:
أوصيكم يا أبنائي ببعض ما كنت أوصي به إخوانكم ولداتكم من شباب الشرق العربي: أن تضطلعوا بحمل الأمانة التي في أعناقكم للأدب العربي، وأن تجعلوا الأدب مساوقًا للحياة، يفعل فيها وينفعل بها، وأن تعنوا بمحاذاة أساليب البلغاء الفحول في الشعر، وأن تتصرّفوا في المعاني على حسب ما يقتضيه زمانكم، وأن تتجافوا فيها عن الإسفاف والتبذل، وأن توفّروا حظّكم من متون اللغة ليخف عليكم ما تعانون من شعر ونثر.

أيا الأبناء البررة:
إن اللغة العربية تراث مشاع بين أبناء العروبة في جميع الأقطار، وإن أبناء العروبة- وإن تناءت ديارهم- يشبهون "شركة مساهمة" رأس مالها هذه اللغة الخالدة، ولكنهم متفاوتو الحظوظ والأنصباء فيها. فمنهم المقلّ، ومنهم المكثر، فاحرصوا على أن تكونوا مساهمين في هذه الشركة باستحقاق، وأن تتقدّموا إليها بإنتاجكم، وثمرات عقولكم من شعر مجوّد، ونثر عامر، وكتب مفيدة.

أيها الإخوان والأبناء:
وهاتوا الحديث عن الحمراء اللعوب، والزهراء الدعبوب، والحسناء التي تبوّأت القلوب ... عن الحرية التي طال شوقنا إليها وطلبناها بالكلام، فلم تزدد إلا إعراضًا وازورارًا، حتى هدينا إلى التي هي أقوم، فطلبناها بالحديد وخضنا دونها الهول الهائل، وبذلنا في سبيلها المهج، وأمهرناها الأرواح، فاسلست وانقادت. وإني لا أبرح مكاني هذا حتى أرسلها تحيات عاطرات الأنفاس، يحملها عني نسيم الصبا وأمواج الأثير، إلى إخواني المجاهدين في الجزائر، أولئك الذين باعوا أنفسهم لله وأشعلوا الثورة وكانوا وقودها في سبيل حرية وطنهم، وهي أقرب السبل إلى الله، وأسأل الله لهم النصر العزيز على عدوّ الله وعدوّهم، وأن يجعل خاتمة جهادهم كبدايتها، نصرًا وظفرًا وفوزًا مبينًا، وأبتهل إليه تعالى، أن ينزل الشهداء منهم منازل الكرامة والرحمة عنده، وأن يفيض على المساجين والمعتقلين والمعذّبين من الشعب الجزائري شآبيب الصبر والرضى، كما أسأل الله لقادة الثورة الجزائرية والمسيّرين لسياستها توفيقًا يقود إلى حسن العاقبة، وعونًا إلهيًا يصاحبهم في الجيئة والذهاب، ويسايرهم منه شعاع هاد في المعضلات، ويواكبهم في السلم والحرب، وتسديدًا ربّانيًّا في كل ما يقولون ويفعلون.
وحيّا الله تونس، حكومتها وشعبها، على ما آووا إخوانهم الجزائريين ونصروا، وعلى ما أكرموا وبرّوا وعلى ما وصلوا من رحم الأخوّة، وحقّ الجوار.

الصفحة 270