كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

دعونا فقهاء الوطن كلهم، وكانت الدعوة التي وجّهناها إليهم صادرة باسم الأمّة كلها، ليس فيها اسمي ولا اسم ابن باديس، لأن أولئك الفقهاء كانوا يخافوننا لما سبق لنا من الحملات الصادقة على جمودهم، ووصفنا إياهم بأنهم بلاء على الأمّة وعلى الدين لسكوتهم على المنكرات الدينية، وبأنهم مطايا للاستعمار، يذلّ الأمّة ويستعبدها باسمهم، فاستجابوا جميعًا للدعوة، واجتمعوا في يومها المقرّر، ودام اجتماعنا في نادي الترقّي بالجزائر أربعة أيام كانت من الأيام المشهودة في تاريخ الجزائر، ولما تراءت الوجوه وتعالت أصوات الحق أيقن أولئك الفقهاء أنهم ما زالوا في دور التلمذة، وخضعوا خضوع المسلم للحق، فأسلموا القيادة لنا، فانتخب المجلس الإداري من رجال أكفاء جمعتهم وحدة المشرب، ووحدة الفكرة ووحدة المنازع الاجتماعية والسياسية، ووحدة المناهضة للاستعمار، وقد وكل المجتمعون ترشيحهم إلينا فانتخبوهم بالإجماع، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا، وكاتب هذه الأسطر وكيلًا نائبًا عنه، وأصبحت الجمعية حقيقة واقعة قانونية ... وجاء دور العمل.
...

هذه المرحلة من حياتي هي مناط فخري وتاج أعمالي العلمية والاجتماعية، والأفق المشرق من حياتي، وهذه هي المرحلة التي عملت فيها لديني ولغتي ووطني أعمالًا أرجو أن تكون بمقربة من رضى الله، وهذه هي المواقف التي أشعر فيها كلما وقفت أردّ ضلالات المبتدعة في الدين، أو أكاذيب الاستعمار، أشعر كأن كلامي امتزج بزجل الملائكة بتسبيح الله.
كلّفني إخواني أعضاء المجلس الإداري في أول جلسة أن أضع للجمعية لائحة داخلية نشرح أعمالها كما هي في أذهاننا لا كما تتصوّرها الحكومة وأعوانها المضلّلون منا، فانتبذت ناحية ووصلت طرفي ليلة في سبكها وترتيبها، فجاءت في مائة وسبع وأربعين مادة، وتلوتها على المجلس لمناقشتها في ثماني جلسات من أربعة أيام، وكان يحضر الجلسات طائفة كبيرة من المحامين والصحافيين العرب المثقفين بالفرنسية، فأعلنوا في نهاية عرض اللائحة إيمانهم بأن العربية أوسع اللغات، وأنها أصلح لغة لصوغ القوانين ومرافعات المحامين، وكأنما دخلوا في الإسلام من ذلك اليوم، وخطب الرئيس عند تمام مناقشة اللائحة وإقرارها بالإجماع خطبة مؤثّرة أطراني فيها بما أبكاني من الخجل، وكان مما قال: عجبت لشعب أنجب مثل فلان أن يضلّ في دين أو يخزى في دنيا، أو يذلّ لاستعمار. ثم خاطبني بقوله: وري بك زناد هذه الجمعية.
***

الصفحة 281