كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

كان من نتائج الدراسات المتكرّرة للمجتمع الجزائري بيني وبين ابن باديس منذ اجتماعنا في المدينة المنوّرة، أن البلاء المنصبّ على هذا الشعب المسكين آت من جهتين متعاونتين عليه، وبعبارة أوضح من استعمارين مشتركين يمتصان دمه ويتعرقان لحمه، ويفسدان عليه دينه ودنياه: استعمار مادي هو الاستعمار الفرنسي يعتمد على الحديد والنار، واستعمار روحاني يمثّله مشائخ الطرق المؤثرون في الشعب والمتغلغلون في جميع أوساطه، المتاجرون باسم الدين، المتعاونون مع الاستعمار عن رضى وطواعية، وقد طال أمد هذا الاستعمار الأخير وثقلت وطأته على الشعب حتى أصبح يتألم ولا يبوح بالشكوى أو الانتقاد، خوفًا من الله بزعمه، والاستعماران متعاضدان يؤيّد أحدهما الآخر بكل قوّته، ومظهرهما معًا تجهيل الأمّة لئلا تفيق بالعلم فتسعى في الانفلات، وتفقيرها لئلا تستعين بالمال على الثورة.
فكان من سداد الرأي وإحكام التدبير بيني وبين ابن باديس أن تبدأ الجمعية بمحاربة هذا الاستعمار الثاني لأنه أهون، وكذلك فعلنا، ووجد المجلس الإداري نظامًا محكمًا فاتبعه، لذلك كانت أعمال الجمعية متشعبة وكان الطريق أمام المجلس الإداري شاقًّا ولكنه يرجع إلى الأصول الآتية:
1 - تنظيم حملة جارفة على البدع والخرافات والضلال في الدين، بواسطة الخطب والمحاضرات ودروس الوعظ والإرشاد في المساجد والأندية والأماكن العامة والخاصة، حتى في الأسواق، والمقالات في جرائدنا الخاصة التي أنشأناها لخدمة الفكرة الإصلاحية.
2 - الشروع العاجل في التعليم العربي للصغار في ما تصل إليه أيدينا من الأماكن، وفي بيوت الآباء، ربحًا للوقت قبل بناء المدارس.
3 - تجنيد المئات من تلامذتنا المتخرجين، ودعوة الشبان المتخرجين من جامع الزيتونة للعمل في تعليم أبناء الشعب.
4 - العمل على تعميم التعليم العربي للشبان على النمط الذي بدأ به ابن باديس.
5 - مطالبة الحكومة برفع يدها عن مساجدنا ومعاهدنا التي استولت عليها، لنستخدمها في تعليم الأمّة دينها، وتعليم أبنائها لغتهم.
6 - مطالبة الحكومة بتسليم أوقاف الإسلام التي احتجزتها ووزّعتها على معمّريها، لتصرف في مصارفها التي وقفت عليها (وكانت من الكثرة بحيث تساوي ميزانية دولة متوسطة).
7 - مطالبة الحكومة باستقلال القضاء الإسلامي في الأحوال الشخصية مبدئيًّا.
8 - مطالبة الحكومة بعدم تدخلها في تعيين الموظفين الدينيين.

الصفحة 282