كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

جَلَّ المصاب، وَمُجْتُ في أحزانه … وعجزت عن كظم الأسى وبيانه
فوَجَمْتُ والقلب الرؤوم جَوٍ على … فَقْدِ "البشير" يغذ في خفقانه
والدمع رغم رُجُولتي وتجلدي … بح الزفير وبُلَّ من تهتانه
قالوا: أتبكي؟ كيف لا أبكي أبًا … وأخًا وأستاذًا فريد زمانه
أبكي المودة والوفاء سجية … والنُّبْل، كان يشعّ من أردانه
أبكي الفضيلة والمروءة والنَّدَى … والمكرمات تسير في ركبانه
أبكي الثقافة والحصافة والحِجا … والذوق وازَى العلم في ميزانه
أبكي أبيا عبقريا ماجِدًا … أبكي إمامًا جل في أقْرانِه
أبكي بصيرته وحِكْمَةَ فَصْلِهِ … أبكي سَدادَ الرأي في إبَّانِه
أبكي امتدادًا لابن باديس الذي … للدين جَدَّدَ ما مضى من شانه
أبكي، أَجَلْ أبكي وليس بضائري … دَمْعُ الأبي الحر فيض حَنانِه
...

قد كان- رغم السن- منذ لقيته … خِلِّي الأثير، وكنت مِنْ خِلّانِه
حُدِّثْتُ في باريس أيام الصبا … عن فضله، وقرأْتُ دُرَّ بيانه
فقدرت فيه مَحامدًا ومَحاتِدًا … وتَطلَّعَت نفسي إلى أَكْوانِه
ولقيته فازْدَدْتُ في إكباره … وأحَبَّ وجداني سَنا وِجْدانه
كان "الفضيل" (44) ورهْطُه طلابه … عِرْفانُهُم كالفيض من عِرْفانِه
كان "التبسي" (43) و"المبارك" (46) صحبه، … لكنه المرموق في إخوانه
حتى إذا خرج الجهاد بعزمه … عن داره للرحب من أوطانه
ألفيته بطلًا يشد على العدا … وأبًا رحيم القلب في أعوانه
في عالَم الإسلام يخفق دائبًا … من "مصره" يسعى إلى "بغدانه"
من "قدسه" لـ "حجازه " لـ "شآمه" … ويلم، لا ليجم في "لبنانه"
لكنه يجري وراء طماحه … وكفاحه حتى لـ "باكستانه"
__________
44) هو الأستاذ الفضيل الورتلاني، توفي سنة 1959 بتركيا.
43) هو الشيخ العربي التبسي، نائب الإمام الإبراهيمي في رئاسة الجمعية، ومدير معهد الإمام ابن باديس، استُشهد سنة 1957.
46) هو الشيخ مبارك الميلى، أمين مال جمعية العلماء (فترة من الزمن) ومدير «البصائر» في سلسلتها الأولى بعد الشيخ العقبي، ثم نائب الإمام الإبراهيمي في رئاسة الجمعية قبل الشيخ التبسّي، توفي سنة 1943.

الصفحة 29