كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

فأجاب: إن الأمر لم يخرج من أيدي دعاة الإصلاح بالمرة، ففي أيدي هؤلاء الدعاة إذا تضافرت جهودهم أن يتقدموا إلى مدرّسي المساجد وخطباء الجُمَع ومحاضري المجامع والنوادي بأن يركبوا طريقة غير الطريقة المعهودة عندهم في الدروس والخطب والمحاضرات، ويتفقوا على أسلوب واحد في تربية الشبيبة الإسلامية على الدين والفضيلة والتقوى، فهذه هي الباقيات الصالحات التي ينبغي على المدرّس والخطيب أو المحاضر أن يغرسها في نفوس الشباب ويجتثّ منها أضدادها.
فإذا نشأ الشباب على التديّن أحبّ الدين، وإذا أحبّ ما فيه وأحث ما يستتبعه من فضائل وأخلاق حميدة، عمل على غرسها في نفوس غيره من الأجيال اللاحقة. والشباب أمة مستقلة، والشباب يؤثر في الشباب، وإذا أحبّ الشاب دينه وفضائل دينه، ولغته وأسرار لغته أحبّ العرب جميعًا، وأصبح في نفسه دافع إلى الاجتماع بإخوانه في الدين والعروبة.
يغذي هذا الدافع وينمّيه في نفسه بما يحضّ عليه الإسلام من الضرب في الأرض والسير في مناكبها والحقّ على التعارف بين المسلمين، وذلك كله مما يقوي الرغبة في الأسفار وحب الرحلة والاستطلاع والاستفادة. فإذا كانت الحكومات رشيدة أعانت على ذلك وساهمت فيه بالسهم الوافر بعقد الرحلات السنوية أو الشهرية من بعض أقطار الإسلام إلى البعض الآخر.
وقال فضيلة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: وأنا أرى أن الأزهر وسائر معاهدنا مثل جامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين بفاس، يجب أن تتحمّل القسط الأوفر من العمل على تقوية الروابط بين الإخوة المسلمين، والأزهر جامعة جامعة لجميع الأمم الإسلامية: ففيه المسلم الشرقي والغربي، وفيه الجنوبي والشمالي، فهو قادر على أن يلقّنهم ويجعل من ضمن دروسه المفروضة عليهم دروسًا خاصة للتحبيب في السفر والضرب في مناكب الأرض للتحصيل على فوائد جمّة أهمها التعارف بين شباب الإسلام لأنهم حَمَلة الإسلام في المستقبل، والمؤتمنُون على الدعوة إليه.
وكيف نطمع في التبشير بالإسلام في الأقطار الوثنية إذا لم نجهّز جيشًا من الشباب ونسلّحهم بالسلاح اللازم لذلك من أخلاق أقواها العزيمة والتضحية والصبر على المكاره وتحمّل المشاق، فلم ينتشر الدين في أول أمره إلّا برجال من هذا الطراز العالي.
وقد لاحت لنا بوارق من تحقيق الأمل في هذه المسألة في السنوات الأخيرة وذلك بكثرة المؤتمرات التي تعقد بالقاهرة ويشارك فيها أبناء أفريقيا وآسيا وشبابها بصورة واسعة. لكننا كنا عزلًا من سلاح هذه المؤتمرات، ولذلك حُرمنا من ثمرات اجتماع الشباب في صعيد واحد بتفريطنا الماضي وتقصيرنا في تهيئة الشباب المسلم المهتدي المجهّز لميادين الدعوة.

الصفحة 301