كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

التي أحاطت به وشوّهته .. وعاصر ثورة الشريف حسين .. واضطر إلى ترك المدينة إلى الشام .. فوصلها سنة 1916 .. وهناك أصبح أستاذًا للأدب العربي في المدرسة السلطانية في الفترة من 1917 إلى 1920، واشترك في الحركات الوطنية الأولى في الشام ..
* ما رأيك في هذه الفترة .. إنها قطعة من ماضينا أيضًا؟
- كل ما أذكره .. هو 70 ألف جندي عربي ذهبوا ضحية .. للشريف حسين .. وكانت أطماعه تتفق مع مطامع الانجليز .. وكان هذا المخلوق يفتقر إلى النظر البعيد .. ومن هنا .. كانت هذه الإمارة المسماة شرق الأردن.
* كيف قلت كلمتك في هذه العلاقة .. لماذا لم تقلها سنة 1916؟
- قلتها .. وحاصرتني الشرطة .. وكانت الكلاب تحوم حول بيتي تبحث عن فريسة .. ولكن أي حركة وطنية لم تنفذ على الإطلاق من إعطاء قطع اللحم للكلاب .. ومن هنا عدت إلى بلدي .. إلى الجزائر .. كانت المعركة هناك عنيفة .. وكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين .. قد نشأت، كنت أنا وزميلي الشيخ عبد الحميد بن باديس .. نتولى أمرها.
وكنا نجد في الدين الأسباب التي تدفعنا إلى ذلك .. فحاربنا السلطات الفرنسية باسم الدين .. ونظمنا أنفسنا باسم الدين .. وأصبح لجمعية العلماء600 شعبة في أنحاء المغرب العربي تحت ستار الدين.
* الدين كان ستارًا .. ؟
- لا .. ولكن ماذا تفعل عندما تجد قانونًا مفروضًا عليك بقوة السلاح .. يقول "اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر .. والفرنسية هي اللغة الرسمية .. " وماذا تفعل عندما يحرّمون عليك دخول المسجد .. ويعينون الأئمة من "المطايا" .. وماذا تفعل عندما تجد ثروات بلدك نهبًا للأجنبي .. وتجد دارك مباحًا لهم .. ليس هناك دين من الأديان يأمرك بالخضوع .. الهوان أمر غير معروف في ديننا .. وهنا كان يجب أن نلتمس في نصوص الدين مبررًا للوقوف ضد كل هذا .. وكان الدين يعطينا كل شيء .. ويمنحنا كل شيء .. حتى إذا ما قتلنا في هذه الحرب .. فنحن شهداء .. وكنا نعطي للفرنسيين كل هذا في صورة دينية بحتة .. فنحن نجتمع للصلاة .. ونحن نعلم الناس الدين .. ونحن ندرس القواعد .. والنحو .. ويكفي أن يعرف الشعب نفسه .. كيف يقوم بمهمّة التحرير؟ ان تدعه يتكلم لغته .. ودينه .. وتراثه فيكتشف نفسه .. ويقوم بالمعجزة.
* هل تذهب إلى الجزائر .. بسبب الخلاف القائم الآن .. لقد سمعت ذلك .. ؟
- نعم .. لن أتردّد .. ولكن أعتقد أنه سيزول سريعًا .. إن هذا الخلاف ضروري وحتمي، ويحدث دائمًا .. ولكن لا يجب أن تتسع هوّته .. ويجب أن يتوقف .. وإلا أصبحت قضية الوطن .. في خطر.

الصفحة 304