كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (اسم الجزء: 5)

وأن من يطالع (بيان أول نوفمبر) سنة 1954 يلاحظ، بدون شك، أن هناك غيابًا لمبادئ جمعية العلماء التي رسمتها للجزائر ماضيًا ومستقبلًا، كما يلاحظ أن البيان لا يجيب على بعض النقاط بوضوح كالهوية والإسلام والعروبة، وأنه ليس ميثاقًا أو عريضة مرجعية ذات فلسفة وتصورات حضارية، وإنما هو وثيقة سياسية- صحفية- كتبت فيما يبدو على عجل وصيغت في عبارات بسيطة وعملية. فكيف نتوقع أن يتبنى الشيخ الإبراهيمي ذلك البيان على علاته، وهو الأديب النابغ والممثل الرمز لجمعية أخذت على عاتقها استرجاع الشخصية العربية- الإسلامية للجزائر؟ نقول هذا لكي يكون مفهومًا عند من لم يفهم بعد لماذا احتضن الشيخ الإبراهيمي الثورة من أول وهلة ولم يفعل ذلك مع جبهة التحرير، ولكي يكون مفهومًا أيضا أن بضعة أسابيع، وربما بضعة أشهر، قد مرت خلال سنة 1954، دون أن يربط كل الجزائريين اسمَ الثورة باسم جبهة التحرير، والمعروف أن المسألة ظلت في الخارج بدون حل إلى مارس 1955، عندما تكونت في القاهرة جبهة أخرى سمّيت "جبهة تحرير الجزائر" حضرها ممثلون عن كل الاتجاهات الوطنية، بما فيها وفد جبهة التحرير الوطني. وببدو أن الشيخ الإبراهيمي قد لعب دورًا أساسيًّا في تكوين جبهة تحرير الجزائر المذكورة وفي لملمة أطراف كانت متباعدة مثل ممثلي مصالي وممثلي مكتب المغرب العربي. وقد جاء في البيان الصحفي الصادر عن مكتب جمعية العلماء بالقاهرة (21 مارس 1955) بعد إعطاء تفصيل عن الوضع العسكري والسياسي في الجزائر ما يلي: "من أجل ذلك اتحدنا نحن الجزائريين المسؤولين المقيمين بالقاهرة، في جبهة واحدة، هي (جبهة تحرير الجزائر) عاملين على مساندة الشعب الجزائري في كفاحه القومي من أجل الحرية والاستقلال".
ونود أن نبدي ملاحظة هامة هنا، وهي أن رأي الشيخ الإبراهيمي عندئذ لم يكن مجرد رأي سياسي يعبر عن قبول كذا أو رفضه، مثل بقية الزعماء، وسواء تعلق الأمر بممثلي جبهة التحرير الوطني أو تعلق الأمر بالسلطات المصرية، فإن رأي الشيخ الإبراهيمي كان عبارة عن (فتوى) تقول للشعب الجزائري إن الجهاد قد حق عليك وإن السلطات الفرنسية في الجزائر إنما هي سلطات كافرة يجب مكافحتها شرعًا. بالإضافة إلى الوزن السياسي لهذه الفتوى، فالشيخ الإبراهيمي كان من رجال الدين البارزين وكان مشهودًا له بالتعمق في الفقه والأصول وأحكام الشريعة الإسلامية، وكان زعيمًا لهيئة تجمع إلى الدفاع عن الدين الإسلامي حرية التعليم العربي، وإحياء الشخصية العربية- الإسلامية، ولذلك قلنا إن رأيه ليس في وزن رأي زعيم آخر في بلاده أو في خارجها، فقد كان ينظر إليه على أنه يمثل فتوى شرعية للجهاد والتحرير، وستلاحظ أن العناوين وروح المقالات التي ستقرأها مليئة بالعبارات الدينية والجهادية، مثل (الرضى بسلب الدين كف)، ومثل (موالاة المستعمر خروج عن الإسلام)، كما أنها مليئة بقوة البيان وبلاغة الأسلوب، وهو أمر قامت عليه شهرة الشيخ الإبراهيمي أيضا كحافظ وأديب ولغوي.

الصفحة 8